شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري

شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري (http://www.rhb-reema.com/vb/index.php)
-   القسم العام (http://www.rhb-reema.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   لماذا يموت عظماؤنا؟ (http://www.rhb-reema.com/vb/showthread.php?t=14199)

سبيع السبيعي 04-07-2009 08:41AM

لماذا يموت عظماؤنا؟
 
دخلت قبل يومين، في الساعة الحادية عشرة ليلاً، مع بعض الزملاء في مدينة فلورنسا، معرضاً لتاريخ الفلك باسم الفلكي الإيطالي الشهير «جاليليو جاليلي». وبعد أن مررنا ببعض الغرف، دخلنا غرفة العصر الإسلامي، وإذا بلوحة كبيرة في أول الغرفة، كتبت عليها عبارات تمجّد علماء المسلمين وتعترف بأن الحضارة الإسلامية كانت أكثر حضارة مؤثرة في تاريخ الفلك بين الحضارات القديمة.

في نفس الغرفة، توقفت عند لوحة تتحدث عن الخليفة المأمون وعن الإنجازات الحضارية التي كانت في عهده. أعجبني فيما كتب، ما قيل عن أن المأمون اهتم بالعلم والعلماء حتى أصبح العلم في عهده أهم شيء في حياة الإنسان، وبفضله، ازدهرت العلوم وتنوعت وبرز إلى التاريخ علماء ساهموا في إثراء الحضارة الإنسانية.


وفي نفس الغرفة أيضاً وضعت لوحات أخرى تتحدث عن البيروني وأثره في تاريخ الفلك، كما وضعت بعض الاختراعات لعلماء مسلمين، تقول كلّها، وبصراحة، إن هذه المخترعات والمخطوطات النادرة، كانت الأساس الذي انطلق منه علماء أوروبا في بداية عصر النهضة والتنوير.

عندما قرأت هذه الجملة، لم أشعر بالفخر والعزّة، بل على العكس، فلقد شعرت بالخزي والخجل. الخزي من أن كثيرا منا لا يعرف أسماء معظم العلماء المسلمين المذكورين في ذلك المعرض، والخجل لأن معظم الذين يعرفون أسماءهم منا لا يعرفون ماذا قدّموا للبشرية! فعلى سبيل المثال، لا يعرف كثير منا بأن البيروني قد وضع قاعدة لقياس محيط الأرض، سمّاها العلماء بعد ذلك «بالقاعدة البيرونية» وأنه من أوجد المتواليات الهندسية، وكان أول من تحدث عن تثليث الزوايا وغير ذلك من ابتكارات رياضية وهندسية كانت أساساً لاكتشافات علمية فريدة.

زرنا في اليوم الثاني كنيسة «سانتا كروتشيه» التي تحوي جثمان الفنان الإيطالي «ميكال أنجيلو» وجاليليو ونصب الشاعر الإيطالي «دانتي» وقبر «ميكيافيللي» وغيرهم من فنانين وعلماء وفلاسفة إيطاليين، يعتبرهم العالم اليوم من «مشاهير التاريخ». جلست على أحد الكراسي وأنا أحاول أن أتذكر بعض إنتاج هؤلاء فقال لي صديقي: «انظر كيف يمجّد هؤلاء عظماءهم».

عندها، عرفت لماذا يعظّم العالم كله هؤلاء الناس، ويدرس الأطفال أعمالهم في مناهجهم الدراسية، ولماذا لا يدرسون أعمال الحسن بن الهيثم أو البيروني أو ابن رشد أو غيرهم من علماء المسلمين. فنحن المسلمون لم نعرف علماءنا، ولذلك لم ننزلهم منازلهم الحقّة، وبالتالي، لم يلق العالم لهم بالاً.

عندما سمعت كلمات صديقي، تذكرت بأن الغرفة التي دخلتها بالأمس وقرأت فيها عن عظمائنا لم تكن في بلد عربي أو مسلم، وأيقنت بأن الذي كتب عنهم لا يمت للعروبة أو للإسلام بصلة. أيقنت عندها أنه علينا ألا نفخر بعلمائنا وعظمائنا، لأننا حِدنا عن طريقهم، بينما أكمل الغربيون مسيرتهم العلمية.

لقد اهتم الغرب بعظمائنا منذ مئات السنين، فهذا ميكال أنجيلو يرسم ابن رشد في لوحته الشهيرة داخل كنيسة «سيستين» في الفاتيكان. وهذا دانتي يطلق عليه لقب «الشّارح الأكبر» أما نحن، فعندما نتحدث عن ابن رشد ينبري لنا من يقول إنه كان مهرطقاً، متفلسفا، متهوراً، لم يجرؤ على إعلان مذهبه، كما كتب أحد الباحثين المعروفين!

أما المأمون الذي يمجّد العالم إنجازاته لأنه كان أوّل الخلفاء الذين فتحوا الباب على مصراعيه للإبداع والتجديد والاختراع، فكلما ذكرناه قيل لنا إنّه صاحب فتنة خلق القرآن. لا نقول إن ما فعله في هذه القضية كان صحيحاً، ولكن، لا يلغي هذا أنّه ـ وأبوه الرشيد من قبله ـ كانا من وضع أولى لبنات النّهضة الإسلامية العلمية، ولهما الحق في أن نحتفي بما قدماه لنا وللبشرية جمعاء.

إن معظم الذين نمجّدهم اليوم هم قادة الثورات العربية الذين رحلوا عن الدنيا وأخذوا معهم رغد العيش وكرامة الإنسان، فمعظم شوارعنا ومياديننا هي تخليد لأسمائهم البالية، في حين أن الذين صنعوا تاريخنا الحقيقي، ومنحونا رغد الحضارة ـ وإن كان على صفحات الكتب اليوم ـ هم الذين لا نتذكّرهم إلا عندما نريد أن نقول للغرب بأننا «كنّا» أعظم منهم.

عندما نقرأ التاريخ البشري ونقف عند مفترقات الحضارة، نلاحظ أن كل الحضارات الإنسانية وليست المادية بدأت بسبب شخص واحد، قائد واحد يؤمن بالتنوير ويؤمن بالإنسان. فحمورابي على سبيل المثال بدأ بوضع شريعة للإنسان في بابل، فازدهرت حضارته وبلغت أوجها لأنه آمن أنّه بدون العدل والحرية لا يمكن للإنسان أن يحقق شيئاً.

والرشيد والمأمون كان العلم والعلماء يزيّنان مجالسهما ويعمران المدن الإسلامية في شتى بقاع الدولة العبّاسية، حتى وصل الأمر بالرشيد أنه أراد أن يعلّق موطأ الإمام مالك في الكعبة، من شدة حبه للعلم والعلماء. أما عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر فلقد كانا مظلّة للعلم والفن وأهلهما، حتى بلغ عدد الكتب في مكتبة قرطبة أربعمائة ألف كتاب.

أما في فلورنسا، فكانت عائلة ميديتشي هي صاحبة الفضل في إطلاق شرارة النهضة الفنية في إيطاليا وأوروبا، فلقد دعا «لورينزو ميديتشي» حاكم فلورنسا ميكال أنجيلو للعيش في قصر العائلة، ورعاه وأغدق عليه حتى أصبح أشهر رسّام ونحّات ومهندس في عصره.

حتى أن العلماء والفنانين في فلورنسا بل وفي إيطاليا كانوا يعلمون بأن أي عمل فنّي جميل يقومون به سيكون آل ميديتشي أول الداعمين له مادياً، لدرجة أن جاليلو قد أهدى أحد اختراعاته العلمية لعائلة ميديتشي.

إن التنوير لا يبدأ بين ليلة وضحاها، فهو تراكمات لتجارب ومعاناة وجهود وأموال وآمال وصدق ومثابرة، وأهم من ذلك، إيمان حقيقي بأن النور موجود في آخر كل نفق مظلم. اليوم هو فرصة فريدة، لشخصية قيادية تاريخية، تنبري بين العرب وتقول إنها جادة في صنع النهضة وبدأ عصر التنوير. حتى وإن لم تر هذه الشخصية النهضة في حياتها، فإنه يكفيها فخراً أنها كانت الشرارة الأولى لشعلة النور الأبدية.

في العام 1983 قام البابا يوحنا بولس الثاني بالاعتذار إلى جاليليو عن الإهانة التي سببتها له الكنيسة، حيث أُجبر جاليليو في نهاية عمره، ورغم كبر سنّه ومكانته، أن يجثوا أمام محكمة التفتيش ويقرّ بأن كل ما قاله واكتشفه كان هرطقة وبأنه لن يعود إلى مؤلفاته ومخترعاته مرة أخرى. لقد برأ البابا جاليليو بعد ثلاثمائة سنة من وفاته، في موقف جليل، يدل على أن الأمّة التي تحترم علماءها وتمّجد عظماءها تبقى تسود الأمم، ما بقي هؤلاء العظماء على قيد الحياة.


بقلم : ياسر سعيد حارب

[/table1]
زمان العجايب 05-17-2009 08:14PM

[table1="width:95%;"]
مقال
رائع
شكرا"
سبيع السبيعي
على النقل

سبيع السبيعي 05-18-2009 02:18PM

العفو وشاكر المرور


الساعة الآن 11:32AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية