سِجَالُ الفُحول في حُبِّ الأول والأخير !
سِجَالُ الفُحُول ، في حُبِّ الأوَّلِ والأخِيْر ! كلُّنا يعرفُ ذلِكَ البيتَ المشهورَ الذي أبدعَهُ أبُو تَمَّام : نقِّلْ فُؤادَكَ حيثُ شئتَ من الهَوَى *** مَــا الـحُبُّ إلا لِـلـحَبيبِ الأوَّلِ ولكن قد يجهلُ البعضُ أن هذا البيتَ قد أشعل وهْجَ ونيرانَ السّجال والمناقضةِ بين فحول الشعراء ، بين مؤيد ومعارض ، ومدافع ومرافع ، ومجادل ومناضل ! والحَدَثُ لا يحتاج إلى ديباجةٍ مزخرفَة ، أو إطلالةٍ مصفصفَة.. فعلى بركة الله نستهلُّ القصة : صدَحَ أبو تمام منشداً ، ورفع عقيرتَه بقصيدة شامِخة باسِقة ، ورد فيها هذان البيتان ، وهما بيتا القصيد ! نَقِّلْ فؤادَك حيثُ شئت من الهَوَى *** مــا الـحبُّ إلا لـلـحبيبِ الأولِ كم منزل في الأرض يألفُهُ الفتـى *** وحنينُهُ أبـْـداً لأوَّل مــنــــزلِ جالت القصيدة أرجاء المعمورة آنذاك ، حتى وصلت أسماع أحد الشعراء ويسمى عبدُ السلام بنُ رغبان ، واشتُهرَ بلقبِ : ( دِيْكِ الجِنّ ) ؛ لأن عينيه كانتا خضراوَين .. فلما سمعها صال وجال ، وقال ذا محال ! ولم يعجبه رأيَ أبي تمام ، فقذف بالشرارة الأولى قائلاً : اِشْرَبْ على وَجْهِ الحَبيبِ المُقْبِلِ *** وعلى الفَمِ المُتَبَسِّمِ المُتقبّلِ شُـربــاً يُـذَكِّـرُ كــلَّ حُــبٍّ آخِـــرٍ *** غَـضٍّ ويُـنْـسي كُلَّ حُبٍّ أَوّلِ كذب الذين تحدثوا أن الـهـوى *** لا شـك فــيــه للحـبيب الأولِ مالي أَحِنُّ إلى خَـرابٍ مُـقْـفِــرٍ *** دَرَسَتْ مَعالِمُهُ كأَنْ لَمْ يُؤْهَلِ ؟! عشقي لِمَنْزلِيَ الذي اسْتَحدثْتُهُ *** أَمّا الذي وَلّى فليسَ بِمَنْزِلي فبلَغَتْ أبياتُ ( ديك الجن الحمصي ) أبا تمام .. فما كان من أبي تمام – الحكيم - إلا أن رد عليه ووضح رأيه بحُجةٍ قوية ، فقال : كَذَبَ الذين تخرَّصوا في قولِهِم *** ما الحبُّ إلا للحبيبِ المُقبِلِ أوَ طيِّبٌ في الطعم ما قد ذقته *** من مأكل أو طعمُ ما لَم يُؤكلِ ؟! حقيقة .. قول أبي تمام فيه حكمة وقوة رد . لكن ديك الجن مازال مصراً على رأيه ، مسفِّهاً رأي أبي تمام ، فردَّ قائلاً : ارغب عـن الحُـبِّ القـديم الأول *** وعليك بالمستأنف المستقبلِ نقِّلْ فؤادك حيثُ شئت فلن ترى *** كهوىً جديد أو كوجهٍ مقبلِ ! ثم انبرى شاعر آخر مؤيداً ديكَ الجنِّ ، ومناصراً له ، وقاصفاً أبا تمام بصاروخ ( أرض جو ) ! فقال : افخرْ بآخر مَن بُليت بِحُبِّهِ *** لا خيرَ في حبِّ الحبيبِ الأولِ أتشكُّ في أنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّداً *** سَادَ البريَّةَ وهوَ آخرُ مُرسَلِ ؟! قطعاً .. لا نشكُّ أبداً ! أقول منصفاً : بيتٌ صخريٌ وردٌّ قوي .. ! ولمَّا حصلَ ما حصل بين الشُّعراء ، تدخَّل الشاعرُ( أبو البرق ) متوسطاً ، بُغْيةَ حلَّ النزاع ، وفكِّ الصراع ، فقال قولاً – أحسبُهُ - جميلاً ورأياً سديداً : زادُوا على المعنى فكلٌّ مُحسِنٌ *** والحقُّ فيه مقالةٌ لَمْ تجهَلِ الحُبُّ للمحبوبِ ساعةَ وَصْلـِهِ *** مـا الحُـبُّ فيهِ لآخرٍ ولأوَّلِ ثم تدخل شاعر أخر - أراه متوسطاً - ؛ يريد الجمع بين الأول والآخر ، فاشترك قائلاً : قـلـبـي رهيـنٌ بالهوى المتنقِّلِ *** فالويل لي في الحبِّ إن لَم أعدلِ أنـا مـبـتـلٍ ببليَّتينِ مِـنَ الهَوَى *** شَـوقٍ إلـى الـثـانـي وذِكْرِ الأوَّلِ فهما حياتي كالطَّعام المُشتَهَى *** لا بـدَّ مـنْـهُ وكالـشَّـرابِ السَّلسَلِ قِـسْـمُ الـفـؤادِ لـحُـرمـةٍ وللذةٍ *** في الحبِّ من ماضٍ ومن مستقبلِ إنـي لأحـفـظُ عـَهْـدَ أوَّل منزل *** أبـَـداً وآلـَـفُ طـيـبَ آخـر مَـنـزلِ لكن ابن طباطبا العلوي أراد أن يقضيَ على أرباب (حُبِّ الأوَّل) فقال : دَع حُـب أَول مِـن كَـلـَفـت بِحُبه *** مــا الـحُـب إِلّا لِـلـحَبـيـب الآخرِ ما قَد تَوَلى لا اِرتِـجـاع لِـطـيبـه *** هَل غائبُ اللذاتِ مثل الحاضرِ؟! إِنَّ المَشيبَ وَقَـد وَفـى بِـمَـقـامِهِ *** أَوفـى لَـدَيَّ مِن الشَباب الغادرِ دُنياكَ يَومك دونَ أمسِك فَاعـتبر*** ما السَّالفُ المَفقودُ مِثلُ الغابرِ وفي الأخير ... سَلُوْا أنفسكم أيُّها الأعزَّاء : أيَّ فريقٍ اتبعتُم ، وأيَّ مسلكٍ سلكتم ، وأيَّ شِعبٍ أوغلتم .. ثُمَّتَ خبِّروني ! . أما أنا فقد دخلتُ دارَ أبي سُفيان ! . والسَّلام ... . |
تسلم يمناك لاعدمناك
تحياتي وتقديري |
أديبنا وشاعرنا الكريم خواطر متناثرة موضوع راقي وممتع ولأول مرة اسمع بهذا السجال القوي فشكرأ جزيلاً على ماسطرته اناملك . اما عن االرأي فهؤلاء شعراء كبار ولا يشق لهم غبار ولا أقدر ان أعطي رأياً صائباً في مثل هذا الحدث . لأن السقف عالي جداً ورحم الله امرءِ عرف قدر نفسه . وسأدخل دار أبي سفيان بمعية أديبنا الفاضل . لك أزكى تحية |
جمال مابعده جمال .... فشكرا لك ايها المبدع .... كم امتعتنا بجمال اسلوبك .... انك مدرسة بالإدب واللغة العربية ... ولانزكي على الله احد .... اين دار ابى سفيان ؟؟
كل التقدير |
الغالي
الكاتب والاديب خواطر متناثره الله انه يسعدك ويوفقك بجميع اوقاتك واسعدني ان امر على متصفحك اللذي يحمل الادب واعتبره صحن فاكهة نوع واحد ولكن من عدة بساتين وانا والله من انصار ابو تمام ان الحب للحبيب الاولي وهو صادق بذلك لانه حب بصدق ولم يرى افضل من حبيبه الاولي اما البقيه فهم كالعصافير لاتستقر على شجره واحده ساعه براس نخله وساعه براس عوشزه وساعه براس اثله حطني مع ابو همام بصراحه انك دكتور بالادب والمعرفه الله لايضرك تقبل تحياتي |
اقتباس:
سلمتَ وبارك الله فيك .. لك خالص التقدير والاحترام ... . |
اقتباس:
شكري وتقديري على هذه الحروف الطيبة .. ومرحباً بك في نفس الدار ! لك خالص التقدير وأجل الاحترام ... . |
اقتباس:
الأخ الفاضل : شماريخ ! إطراء من شخصٍ بحجمك فخر وتشريفٌ لي .. جزيتَ خير الجزاء ... أما دار أبي سفيان فأظنها ستكون عامرةً بالطيبين ! لك أجزل التقدير ووافر الاحترام ... . |
اقتباس:
أهلا وسهلاً بالأستاذ والشاعر القدير : سفير المعاني .. إطلالةٌ بديعة أضاءت جنبات المتصفح .. ومشاركة قيمة .. أخجلتني كلماتك مع تشريفها لي .. جزيت خير الجزاء ... لك خالص التقدير ووافر الاحترام ... . |
مبدعين والله ربي يعطيكم العافيه
ربي ما يحرمنا منكم شعرائنا وكتابنا دمت بسعاده وراحة بال |
الساعة الآن 05:51PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية