شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري

شبكة رهب الأدبية-ريما محمد السديري (http://www.rhb-reema.com/vb/index.php)
-   القسم العام (http://www.rhb-reema.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   قيمة الإنسان في عصرنا الحاضر (http://www.rhb-reema.com/vb/showthread.php?t=16870)

سبيع السبيعي 07-15-2009 07:46PM

قيمة الإنسان في عصرنا الحاضر
 
لناس في الشارع أشبه بالنمل حينما تنظر إليهم من شرفة أحد المباني الشاهقة، وكلما انتقلت إلى الطوابق العلوية، تضاءل الناس إلى مستويات تافهة من حيث الحجم! كل نقطة صغيرة تتحرك أمام عينيك لها همومها الخاصة، وذكرياتها، ورغباتها، ومخاوفها، لكن كل ذلك تم اختزاله بفضل الارتفاع الشاهق إلى مجرد نقطة تافهة تتحرك بغباء على قارعة الطريق! الأمر يبدو مشابهاً حينما ننظر إلى قيمة الإنسان في عصرنا الحاضر، فكلما زاد مستوى التعقيد في العلاقات الاقتصادية- الاجتماعية، تضاءلت قيمة الإنسان إلى مجرد رقم! في السابق، كان السؤال الأساسي بعد كل مناسبة اجتماعية هو 'من حضر؟'، أما الآن فإن السؤال تحوّل إلى 'كم عدد الحضور؟'. في السابق أيضاً، كانت أنماط التداول التجاري المتواضعة تسمح بوجود علاقة حميمية بين البائع والمشتري، أما في عصر الإنترنت، وفي ظل ارتفاع معدلات الاستهلاك الشامل والبيع بالجملة، فأضحت العلاقة ذاتها باردة، ولاشخصية، ومفرطة في التجريد!

بات الإنسان مجرد سلعة لها رقم يشير إلى قيمتها، أي أن السوق هو الذي يحدد قيمة الإنسان! تقرأ الصحيفة، وتقع عيناك على خبر يقول: 'انتحار خادم في المنطقة الفلانية'! لا يبدو الخبر مهمّاً من وجهة نظر أصحاب الصحيفة، فهو منشور في ركن صغير في أسفل الصحفة، لكن ما يثير الانتباه هو طريقة صياغة الخبر، فالذي أنهى حياته لم يكن خادماً، بل إنساناً في المقام الأول، إنسان له مشاعر ورغبات وأحلام، له أسرة تنتظر عودته بفارغ الصبر، له قيمة بشرية لا تختلف عن أي إنسان آخر. لماذا احتوى هذا الخبر المؤسف على كلمة 'خادم'؟ ما الذي من الممكن أن يضيفه نوع الوظيفة إلى فداحة عملية الانتحار؟ لماذا يعتقد من صاغ ذلك الخبر أن كلمة 'إنسان' لا تؤدي الغرض؟ قد يكمن السبب في محاولة لفت انتباه القارئ إلى مشكلة تزايد عمليات الانتحار بين صفوف الخدم، لكن لا يبدو هذا السبب مقنعاً، فمكان النشر، كما أشرت منذ قليل، لا يوحي بأهمية الخبر! لست أجد سببا مقنعاً سوى أن كلمة 'خادم' تعكس القيمة الحقيقية لهذا الإنسان بالنسبة لنا، فهي كلمة تشير إلى مكانته الاجتماعية المتواضعة من جانب، وإلى قيمته الاقتصادية التافهة من جانب آخر، وهذا بالضبط ما يفسر عدم أهمية الخبر ونشره في ركن صغير في أسفل الصفحة!

تقلب الصفحة، فتقرأ خبراً آخر فيه تأكيد على 'ضرورة ربط المناهج الدراسية باحتياجات سوق العمل'! قد يبدو الخبر طبيعياً، لكن هل هو كذلك فعلاً؟ الأمر الطبيعي هو أن إعداد المناهج الدراسية مرتبط بعوامل تتعلق بمواكبة التراكم المعرفي للبشرية في اللحظة الراهنة، وترسيخ قواعد التفكير النقدي، وبث روح المسؤولية تجاه المجتمع، وتهذيب الإحساس بقيمة الإنسان ومكانته في هذا الكون. لكن عندما تكون 'لغة السوق' هي السائدة، فإن كل إنسان تصبح له قيمة محددة، أي مجرد رقم، وكلما زاد معدل التحصيل العلمي، زادت قيمة الإنسان المتعلم حسب سعر السوق. إذا كنت تحمل شهادة البكالوريوس، فإن قيمتك الاقتصادية أقل ممن يحمل شهادة الماجستير، وإذا كنت طموحاً بما فيه الكفاية وحصلت على شهادة الدكتوراه، فإنك ستجني ثمرة هذا الطموح على شكل زيادة في قيمة راتب آخر الشهر. إذا كان هذا هو واقع الحال، فهل من المنطقي أن نستغرب هذا التسابق المحموم في نيل الشهادات العلمية بأي طريقة وبأي ثمن؟

ربط المناهج الدراسية باحتياجات سوق العمل يعني أن السوق هو الذي يقرر نوعية الفروع العلمية الجديرة بالاهتمام، وإذا ثبت أن أحد التخصصات الدراسية غير مجدٍ اقتصادياً، فإن أرباب السوق لن يتورعوا عن المطالبة بإزالة هذا التخصص من المناهج الدراسية! لم تعد المعرفة مرتبطة بقيمة الإنسان من حيث هو إنسان، بل أصبحت مرتبطة فقط بالجدوى الاقتصادية لهذا الإنسان بوصفه مجرد سلعة في سوق العمل. لم تعد المعرفة غاية في ذاتها، بل مجرد وسيلة إلى صعود السلم الاجتماعي بأقصى سرعة! أصبح اختيار التخصص الدراسي مرتبطاً بالإثراء المادي وزيادة رصيد الحساب، بدلاً من الإثراء النفسي وزيادة رصيد المعرفة
(يتبع)

بقلم : فهد راشد المطيري

التعليق : مقاال جميل وفعلا محتاجين مناهج فنيه ومهنيه تواكب احتياجات سوق العمل ونقتدي بتجربة اليابان فى قيامها بتطوير مناهجها الدراسية كل خمس اعوام وربطها باحتياجات السوق لديها

سبيع السبيعي 07-15-2009 08:00PM

هناك علاقة لا تناظرية (asymmetric relationship) بين الحاجة والرغبة، فالحاجة تبرّر الرغبة، لكن الرغبة لا تبرّر الحاجة، فمثلاً، قد تحتاج إلى شراء سيارة لظروف قاهرة، لذا فإنه من الطبيعي أن تكون لديك رغبة في شراء سيارة، لكن في المقابل، قد تكون لديك رغبة في اقتناء سيارة، لكنك تتنازل عن هذه الرغبة لأنها لا تنم عن حاجة ضرورية.

هذه العلاقة اللا تناظرية إيجابية وصحية، فهي تدل على أمرين: الأمر الأول، هو أنك تملك من الأشياء ما تحتاج إليه فعلاً، والثاني، هو أن لديك قدرة فائقة على التحكم في رغباتك ونزواتك الشخصية.

لكن الأمر المؤسف هو أن المحافظة على هذه العلاقة الصحية تكاد تكون مستحيلة في عصر رأسمالي قائم على فكرة الاستهلاك، وتعود جذور هذه المشكلة إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قام Edward Bernays بالاستفادة من نظريات علم النفس ووضعها تحت تصرّف رجال الأعمال والشركات الكبرى، مستفيداً من أدوات التحليل النفسي التي صاغها Freud، ومن مفهوم 'غريزة القطيع' كما جاء في أعمال Trotter، ومن مفهوم 'سيكولوجية الجماهير' كما جاء في أعمال Le Bon.

كان الهدف الأساسي هو تشكيل عقول الناس بطريقة تضمن استمرار عادة الاستهلاك وتلبية مصالح الطبقة التجارية، ولتحقيق ذلك، كان لابد من القضاء على قدرة الفرد على التمييز بين الحاجة والرغبة، لذا لجأ Bernays إلى سلاح 'البروباغندا'، فهو سبق أن تساءل بخبث: 'لماذا لا تنجح (البروباغندا) في زمن السلم كما نجحت في زمن الحرب؟!'.

كان Bernays يعتقد أنه إذا أراد أصحاب الشركات الكبرى إنتاجا شاملاً للبضائع، فلابد من خلق حاجة دائمة إلى الاستهلاك، وهو أمر لن يتحقق إلّا إذا استطاعت الماكينة الدعائية التحكم في الرأي العام وتوجيهه نحو المزيد من الاستهلاك (انظر كتابه Manipulating Public Opinion، 1928).

كان Bernays يراهن على غباء الناس وعلى 'غريزة القطيع'، وبالنظر إلى شهية الاستهلاك التي اجتاحت العالم منذ الربع الأول من القرن الماضي، ليس لنا سوى أن نسلّم بأن Bernays كسب الرهان!

يستمد الإنسان قيمته من صميم ذاته ومن قدراته الشخصية، لكن في ظل موجة الاستهلاك التي اجتاحت العالم منذ بدايات القرن الماضي، أصبحت قيمة الإنسان مرتبطة بما يملك من أشياء، وهو ارتباط غير حقيقي! في كتاب The Sane Society، من تأليف استاذ علم النفس الاجتماعي Erich Fromm، هناك وصف دقيق لمدى تهافت العلاقة بين المستهلك والبضاعة المستهلكة. يقول Fromm 'في الماضي، كانت هناك علاقة حميمية بين الإنسان والأشياء التي يشتريها بماله، أما في عصر طفرة الاستهلاك، أصبح من غير الممكن وجود مثل هذه العلاقة، ذلك أنه ليس هناك وقت كافٍ لنشوئها، فالمستهلك مغرم بكل شيء جديد، وهو لهذا السبب على استعداد لاستبدال ما يشتريه اليوم لقاء ما يستجد غدا' (صفحة 131).

ثم ينتقل Fromm إلى عقد مقارنة بين اللذة الناتجة عن تجربة حقيقية، واللذة المزيفة التي هي وليدة عادة الاستهلاك 'عندما أقرأ كتاباً، أو أشاهد منظراً خلاباً، أو أتحدث مع صديق، أشعر أني خضت تجربة حقيقية وتلقائية، تجربة تجعلني أحس أني لم أعد كما كنت قبل خوض تلك التجربة، كأن شيئاً في داخلي قد تغيّر! هذه اللذة الحقيقية تقف على النقيض من تلك اللذة الناتجة عن الاستهلاك، فعندما ألبّي رغبتي في شراء شيء لا أحتاج إليه، لا يطرأ أي تغيير في ذاتي، ولا أشعر بأي إضافة إلى قيمتي كإنسان! كلنا يعرف شعار كاميرا Kodak الذي يقول: اضغط الزر، ونحن نتكفّل بالباقي!' ليس مطلوبا منك أن تفعل أي شيء، أو أن تعرف أي شيء، بل كل ما يتعين عليك عمله هو أن تضغط الزر! إن السائح الذي نراه منشغلا في التقاط الصور لا يرى شيئا إلا من خلال الكاميرا المعلقة في رقبته! الكاميرا تستمتع بمشاهدة المناظر المحيطة نيابة عنه، وأما هو (أي السائح) فقد استبدل تجربة روحية حقيقية بحفنة من الصور!' (صفحة 133).

لكن الأمر لا يقتصر فقط على استهلاك الأشياء، ذلك أن الإنسان نفسه أصبح موضوعاً للاستهلاك! عندما وصل أينشتاين إلى أميركا، أرادت إحدى شركات التبغ الاستفادة من شهرته الكبيرة، فعرضت عليه أن يقوم بعمل دعاية لإحدى منتوجاتها مقابل مردود مالي كبير، لكن أينشتاين رفض العرض، وقد عبّر عن غضبه من كثرة هذه العروض بطريقة ساخرة، حيث يقول 'هؤلاء المسوّقون الأغبياء لا يفرّقون بين طالب العلم والعاهرة'!

لكن هناك في المقابل من يحرص على تسويق ذاته من دون مقابل مادّي، ففي عصر المال، تضاءلت قيمة الإنسان إلى مجرد سلعة، وبما أن كل سلعة في حاجة إلى تسويق، فإن الإنسان نفسه أصبح ضحية لمرض تسويق الذات، وأعراض هذا المرض كثيرة، منها المبالغة في تضخيم الإنجازات الشخصية تحت بند 'السيرة الذاتية'، والحرص على الظهور الإعلامي المتكرر، وكتابة مقال وتوزيعه بالجملة عن طريق البريد الإلكتروني!

لن يستعيد الإنسان قيمته إلا عندما يكف عن تحديد هويته من خلال ما يملك من أشياء، ولن يكف الإنسان عن تسويق ذاته إلا حينما يستعيد احترامه لنفسه


بقلم : فهد راشد المطيري

التعليق : بوجهة نظري تغيير السلوك من فكر مستهلك متجمد الى فكر منتج متجدد يحتاج الى حامل ولا بد من وجود حامل اجتماعي محدد له دور واسع ضمن الحراك الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع المعني بالتغيير فعلا ً نحتاج لثوره تفجر طاقاتنا وفينا كل الخير وساامحوني على الإطالة وشكرا للمتابعه

سبيع السبيعي 07-15-2009 08:02PM

مادري ليش تذكرت blackberry والتهافت عليه :)

النداء الأسير 07-16-2009 11:59AM

اخوي سبيع السبيعي
اتوقع كل ما تقدمنا في العلم والحضاره
تنقص قيمة الإنسان من جيل الى جيل
والزمن هو الدليل
ولو تنظر الى مكارم الأخلاق السابقه وافعال الطيب بين الرجال
لاتجدها في وفتنا الحاضر لان لغة الأرقام تتكلم وليس الأخلاقيات


شكرا لك على هذا الطرح

سبيع السبيعي 07-16-2009 04:42PM

شاكرلك مرورك اخوي

وتعقيبك

زمان العجايب 07-17-2009 05:14PM

سبيع السبيعي

نقل رائع للموضوع
ولكن
لا حياة لمن تنادي
دمت بخير وسعادة

سبيع السبيعي 07-18-2009 01:18AM

مشكورين ما قصرتو :)


الساعة الآن 10:18AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة لشبكة رهب الأدبية