عبدالله الغنيم
08-26-2011, 04:05AM
إني لأتحَرَّجُ - أيُّها الأفاضلُ - أشدَّ الحَرَج ، أن أخرجَ في حاجةٍ قبَيل الإفطار ؛ مما أشاهدُ من مشاهدَ يندى لها الجبين ، حيثُ التصرفاتُ المؤسِفة ، والمناظر المُدنِفة ( أي المُمْرضة ) ولا تخفى جميعُها على من سَاء حظُّه ، وخرجَ في ذلك الوقت ..
سبٌّ وشتم ، وشدٌّ ولَطم ، وعِداءٌ واعْتِداء ، وزئيرٌ وعُوَاء ... !!
والطرقات مُكتظة ، والمتهورون في كل حَدَبٍ وصَوب ، والطائشون ما بين سَانِح وبَارح ! حتى يكادُ العاقلُ لَيستشعرُ - قبل الشُّعور الأعْظم - قولَه تعالى : (( وإذا الوحوشُ حُشِرت )) في هذا الوقتِ بالذات ! .
بدَل أن تُستغلَّ تلك السُّويعاتُ اليسيرة المباركة بالقِراءة والدُّعاء - ونحن الآن في نصفِ العشر المُباركة ، إن اكتمَلت - ، تستبدلُ بالشحْناء والإيذاء !
يقول الرسولُ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ لِلَّهِ عندَ ( كلِّ فِطر) عُتقاء ، وذلك في كلِّ ليلَة )) حَسَن صحِيح .
إني لأتساءل أيها الأحبَّة : أيُعقل أن هذا كلَّه بسبب الجُوع والعَطش ؟!
إذن لو أننا في الصُّومال أو ابتلينا ببلائِهم - وليس ذلك على الله بعزيز - ، فماذا سيحدُث لنا ؟! أرجو ألا يأكلَ بعضُنا بعضاً قبل مَجيء هيئةِ الإغاثة !
لا حَول ولا قوَّة إلا بالله .
إني لا أمزحُ أيُّها الأفاضل ..
ولا تقولوا بأني أبالِغ ، إن من يُبتلى ويخرج في ذلك الوقت يرى ذلك جلياً ظاهراً ، وعليه أن يتمَثَّلَ بشخصِ ( أشج عبدِ القيس ) ؛ فيلزمه أن يُدثِّرَ نفسَه بالحِلم ، ويتزيَّا بالأناة ؛ لئلا ينجرفَ مع التيَّار ، ويَعْمَهَ مع الذين في طغيانهم يعمهون ..
فإنك – غالباً - إن سلِمت من لعنةٍ قد لا تسلمُ من شَتمة ، وإن سلِمت من شتيمة لم تسلم من نعِيق ، وإن سلمت من نعيق لم تسلم من نهيق ! .. ومن جاد به حظُّهُ ، وسلِم من هذا كلِّه ، لم يسلم من مراهقٍ في الخمسين ! ، أو مراهق في الخامسةَ عشرةَ ، يضغط - بلا مُبالاة ولا مُراعاة - على زَمَّار السيارة المزعِج ، حتى تكاد أن تنفجرَ طبلة الأذُن !!
أصْدُقُكُم القول ..
ليس هذا ما حَداني – حقيقة - أن أكتبَ هذا المقال ؛ فهذه أمورٌ قدِ اعتاد الناس عليها ، ولم آتِ بشيء جديد ، ومن ينصح هؤلاء ( كمن يُخَطِّطُ في مَاء ) ! .
بيدَ أنَّ ما حداني ، هو أني رأيتُ سفيهاً متهوِّراً - وليس من رأى كمن قرأ - رأيتُهُ بأمِّ عيني ، صّخِبَ الشَّوَارِب (1) ينهَقُ بلا هوادة أو فتور ، على سائقٍ هندي مِسكين ، ألقاه أرضاً ، وأوسَعَه سبّاً وشتماً ، وقامَ بعكفِ إحدى يديه خلفَ ظهره ، وبدأ يوجِّه له اللكماتِ تلو اللكمات ، وكلُّها في الرأس !
يرفسه وينهق ! ولسان حاله يقول : (( ليسَ علينا في الأمِّيينَ سَبيل )) !
وقد تجمهرَ الناسُ حولَهما ، ولم يملكوا سوى التعوُّذِ مع كل نَهقة ، والترحمِ مع كلِّ رفسَة !
أول ما شاهدتُ المنظرَ المؤسفَ ، حسِبتُ بأني في حَمَاةَ أو اللاذقية ! ، وهذا من ( شبِّيحة بشَّار) ! فأوجستُ في نفسي خِيفة ، فأبصرتُ يميني ، فإذا مطعمٌ مندي ، وأبصرت شِمالي ، فإذا مطعمٌ بُخاري ! فأدركتُ أني في الرِّياض ، فاطمأنَّ قلبي !!
كأني بكم تريدونَ أن تعلمُوا ما سبب هذا الشِّجار .
اطمئنوا .. هذا العاملُ المسكين ، لم يفسقْ ولم يقتل ولم يكفر ؛ بل ارتكبَ جرماً أعظمَ من هذا ! هذا العامل أيها السَّادة ، ذنبُه العظيم أنه صدمَ سيَّارة هذا السفيه المتهور من الخلف ، وسبَّبَ خَدْشاً بسيطاً ، يَكاد ألا يُرى بالعين المجرَّدة !
فغضبَ هذا المتهور فطفِئَ مصباح عقلِه – كما في المثل الغربي - إن كان له عقل ! فطوَّعتْ لهُ نفسُه ضربَ أخيه ، فضربَه فأصبحَ من الخَاسِرين .
إني لأتساءلُ .. كيف لهذا المتهور السفيه أن يقودَ سيارة ؟! وكيف حصلَ على الرُّخصة ؟!
وإني لأتساءل أيضاً .. لو أنَّ الذي صدمَ سيارته أفغانياً ، أصابعُ كِلْتَا يديه كأنها ( عُلُوب ) مُوز ! ، أو فلبينياً يتبخترُ بالحِزام الأسوَد ، أو فلاحاً صَعيدياً بيدِهِ ( صرَّة عَلَف ) ليس بينها وبين شَوَاربه فرْق ! هل سيقدُمُ على ضربه أو حتى شتمِه ؟! إنه سيُفكِّرُ هذه المرَّة بساقيه لا بيديه ! وسيخرج مِن نَعلَيهِ أجْنِحة ! .
إن كانَ هذا التهورُ والطيشُ سببَه الجوعُ والعطش ، فكانَ اللهُ في عَون أمِّه ، كيفَ فطِمتْه يا تُرى؟!
هذا تساؤلٌ لطيفٌ بريء حيَّرني وأنا أكتب ، رحِمها الله ، وغفرَ لها ! .
إن صُمتُ أوجَعَني بَطنِي وأقلَقَني *** بين الجَوَانِحِ مسُّ الجُوعِ والعَطَشِ !
يقول أبقراط : (( إذا كنتَ جائعاً فلا تباشر عملاً )) .
فيا مَن جُوعُهم يُوجِعُهم ! ابقوا في رحَالِكم ، (( فإذا طَعِمتُم فانتشِرُوا )) ؛ لكي تسلموا ويسلمَ الناسُ من شرِّكم ..
وقانا اللهُ وإياكم شرَّ صَومِ السُّفهَاء !!
(1) حِمارٌ صَخِبُ الشَّوَارِب : أي شديدُ النهيق .
سبٌّ وشتم ، وشدٌّ ولَطم ، وعِداءٌ واعْتِداء ، وزئيرٌ وعُوَاء ... !!
والطرقات مُكتظة ، والمتهورون في كل حَدَبٍ وصَوب ، والطائشون ما بين سَانِح وبَارح ! حتى يكادُ العاقلُ لَيستشعرُ - قبل الشُّعور الأعْظم - قولَه تعالى : (( وإذا الوحوشُ حُشِرت )) في هذا الوقتِ بالذات ! .
بدَل أن تُستغلَّ تلك السُّويعاتُ اليسيرة المباركة بالقِراءة والدُّعاء - ونحن الآن في نصفِ العشر المُباركة ، إن اكتمَلت - ، تستبدلُ بالشحْناء والإيذاء !
يقول الرسولُ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ لِلَّهِ عندَ ( كلِّ فِطر) عُتقاء ، وذلك في كلِّ ليلَة )) حَسَن صحِيح .
إني لأتساءل أيها الأحبَّة : أيُعقل أن هذا كلَّه بسبب الجُوع والعَطش ؟!
إذن لو أننا في الصُّومال أو ابتلينا ببلائِهم - وليس ذلك على الله بعزيز - ، فماذا سيحدُث لنا ؟! أرجو ألا يأكلَ بعضُنا بعضاً قبل مَجيء هيئةِ الإغاثة !
لا حَول ولا قوَّة إلا بالله .
إني لا أمزحُ أيُّها الأفاضل ..
ولا تقولوا بأني أبالِغ ، إن من يُبتلى ويخرج في ذلك الوقت يرى ذلك جلياً ظاهراً ، وعليه أن يتمَثَّلَ بشخصِ ( أشج عبدِ القيس ) ؛ فيلزمه أن يُدثِّرَ نفسَه بالحِلم ، ويتزيَّا بالأناة ؛ لئلا ينجرفَ مع التيَّار ، ويَعْمَهَ مع الذين في طغيانهم يعمهون ..
فإنك – غالباً - إن سلِمت من لعنةٍ قد لا تسلمُ من شَتمة ، وإن سلِمت من شتيمة لم تسلم من نعِيق ، وإن سلمت من نعيق لم تسلم من نهيق ! .. ومن جاد به حظُّهُ ، وسلِم من هذا كلِّه ، لم يسلم من مراهقٍ في الخمسين ! ، أو مراهق في الخامسةَ عشرةَ ، يضغط - بلا مُبالاة ولا مُراعاة - على زَمَّار السيارة المزعِج ، حتى تكاد أن تنفجرَ طبلة الأذُن !!
أصْدُقُكُم القول ..
ليس هذا ما حَداني – حقيقة - أن أكتبَ هذا المقال ؛ فهذه أمورٌ قدِ اعتاد الناس عليها ، ولم آتِ بشيء جديد ، ومن ينصح هؤلاء ( كمن يُخَطِّطُ في مَاء ) ! .
بيدَ أنَّ ما حداني ، هو أني رأيتُ سفيهاً متهوِّراً - وليس من رأى كمن قرأ - رأيتُهُ بأمِّ عيني ، صّخِبَ الشَّوَارِب (1) ينهَقُ بلا هوادة أو فتور ، على سائقٍ هندي مِسكين ، ألقاه أرضاً ، وأوسَعَه سبّاً وشتماً ، وقامَ بعكفِ إحدى يديه خلفَ ظهره ، وبدأ يوجِّه له اللكماتِ تلو اللكمات ، وكلُّها في الرأس !
يرفسه وينهق ! ولسان حاله يقول : (( ليسَ علينا في الأمِّيينَ سَبيل )) !
وقد تجمهرَ الناسُ حولَهما ، ولم يملكوا سوى التعوُّذِ مع كل نَهقة ، والترحمِ مع كلِّ رفسَة !
أول ما شاهدتُ المنظرَ المؤسفَ ، حسِبتُ بأني في حَمَاةَ أو اللاذقية ! ، وهذا من ( شبِّيحة بشَّار) ! فأوجستُ في نفسي خِيفة ، فأبصرتُ يميني ، فإذا مطعمٌ مندي ، وأبصرت شِمالي ، فإذا مطعمٌ بُخاري ! فأدركتُ أني في الرِّياض ، فاطمأنَّ قلبي !!
كأني بكم تريدونَ أن تعلمُوا ما سبب هذا الشِّجار .
اطمئنوا .. هذا العاملُ المسكين ، لم يفسقْ ولم يقتل ولم يكفر ؛ بل ارتكبَ جرماً أعظمَ من هذا ! هذا العامل أيها السَّادة ، ذنبُه العظيم أنه صدمَ سيَّارة هذا السفيه المتهور من الخلف ، وسبَّبَ خَدْشاً بسيطاً ، يَكاد ألا يُرى بالعين المجرَّدة !
فغضبَ هذا المتهور فطفِئَ مصباح عقلِه – كما في المثل الغربي - إن كان له عقل ! فطوَّعتْ لهُ نفسُه ضربَ أخيه ، فضربَه فأصبحَ من الخَاسِرين .
إني لأتساءلُ .. كيف لهذا المتهور السفيه أن يقودَ سيارة ؟! وكيف حصلَ على الرُّخصة ؟!
وإني لأتساءل أيضاً .. لو أنَّ الذي صدمَ سيارته أفغانياً ، أصابعُ كِلْتَا يديه كأنها ( عُلُوب ) مُوز ! ، أو فلبينياً يتبخترُ بالحِزام الأسوَد ، أو فلاحاً صَعيدياً بيدِهِ ( صرَّة عَلَف ) ليس بينها وبين شَوَاربه فرْق ! هل سيقدُمُ على ضربه أو حتى شتمِه ؟! إنه سيُفكِّرُ هذه المرَّة بساقيه لا بيديه ! وسيخرج مِن نَعلَيهِ أجْنِحة ! .
إن كانَ هذا التهورُ والطيشُ سببَه الجوعُ والعطش ، فكانَ اللهُ في عَون أمِّه ، كيفَ فطِمتْه يا تُرى؟!
هذا تساؤلٌ لطيفٌ بريء حيَّرني وأنا أكتب ، رحِمها الله ، وغفرَ لها ! .
إن صُمتُ أوجَعَني بَطنِي وأقلَقَني *** بين الجَوَانِحِ مسُّ الجُوعِ والعَطَشِ !
يقول أبقراط : (( إذا كنتَ جائعاً فلا تباشر عملاً )) .
فيا مَن جُوعُهم يُوجِعُهم ! ابقوا في رحَالِكم ، (( فإذا طَعِمتُم فانتشِرُوا )) ؛ لكي تسلموا ويسلمَ الناسُ من شرِّكم ..
وقانا اللهُ وإياكم شرَّ صَومِ السُّفهَاء !!
(1) حِمارٌ صَخِبُ الشَّوَارِب : أي شديدُ النهيق .