عبدالله الغنيم
11-18-2010, 06:57PM
مكتبُ المُرشِدِ الطُّلابِي !
العاقلُ هو الذي يستمع القول فيتبع أحسنه ؛ ويتجلَّى ذلك عندما تخاطبُ شخصاً عاقلاً ، فإنك ستختصرُ له الكلام المفيدَ بأقلِّ حروف ، وسيدركُ ذلك العاقلُ القصدَ ، ويتدارك الزَّلَل ، ويصل معك في الأخير إلى الثَمَرة الناضِجة ، وإلى حقيقة قد تكون غائبةً عنه ، وبالتالي ستبتعدُ عن السخرية أو الاستهزاء ، أو التعريض أو التهكُّمِ بِه..
فاللهُ تعالى قال في محكم التنزيل - وهي رسالة إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه - : (( ولا يَأتَلِ أولُوا الفضْلِ منكم والسَّعَةِ أن يُؤتوا أولي القُربى والمساكينَ والمهاجرينَ في سبيلِ اللهِ ولْيعفوا ولْيصفَحُوا ... الآية )) . ففهم أبو بكر المراد واستفاد ؛ لأنه عاقل ..
ودونَكم رسائل المصطفى عَليه السَّلام ونصائِحه إلى أصحابه وأحاديثه معهم فإنها عباراتٌ قصيرةٌ وكلماتٌ معدودة تنساب كالجدول الرَّقرَاق في عقول أولي الألباب فيجنوا ثمارَها اليانعةَ الدانية ؛ فعلى سبيل المثال لا الحَصر .. نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : (( اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ ، وأتبع السَّيئة الحسنةَ تمْحها ، وخالق الناسَ بخلقٍ حَسَن )) . واستفاد منها معاذ رضي الله عنه ؛ لأنه عاقلٌ ..
أيضاً رسالة أبي بكرٍ الناصحة إلى خالد بن الوليد عند قتال الروم ، ورسالة عمرَ إلى أبي عبيدة قبل موت الأخير رضي الله عنهم أجمعين ... وهلمَّ جَرا ... .
ولكن عندما يكون المخاطب كالذين استُهزئ بهم ، وقال الله فيهم (( إنْ هُم إلا كالأنعَامِ بَلْ هُم أضلُّ سَبيْلا )) أو كالذي قال عنه الشاعر :
لَـقـدْ أسـمَعْـت لو نـاديـت حَـيـّاً ** ولـكـنْ لا حَـيـَـاة لِـمَـنْ تـُنـَـادِي
ولـو ناراً نفَـخْـت بـِهَا أضاءت ** ولـكـن أنْـتَ تـنْـفـخُ فِي رَمـَــادِ
فإن أردتَ مخاطبته فلا مناص - بتقديري – من مخاطبته برسالة ( كرسَالَةِ بن زَيدُون الهزلية ) ، أو على طريقة ( المتنبِّي ) شاعر العرب الدَّاهية ، في هجائه لضبَّة العُتْبِي – مع اعتراضي على بعض ما ورد فيها - ودهائه في اختياره لنوع البَحْر الشِّعْري ، وإيصال ما يُريدُ بسُخريَة ، وتَوْقِيْعِ القصيدة ببيتين حَكيمَيْن :
وَإِن عَرَفتَ مُرادي ** تَكَشَّفَت عَنكَ كُربَة ْ
وَإِن جَهِلتَ مُرادي ** فَإِنَّــهُ بــِكَ أَشـبَــهْ !!
أخي القارئ الكريم !
قدمتُ هذه الدِّيباجةَ اللطيفة لكي تكونَ مدخلاً وحجةً لما أريد قوله وعرضه ..
وكلي أسفٌ وامتِعاض ، لما آلَ إليه حال ( التعليم في بلادي ) ، والحديث عن التعليم - كما تعلمون - ذو شجون .. ولكني سأذكر حادثة بعينها بعد هذه الأسئلة اليسيرة ؛ لكيلا أسلك بكم شعاباً وأوديةً لا خروجَ منها ولا خلاص ..
لو قيل لكم أيها الأفاضل : أنَّ هناك مدرسةً - ولا زالت - يدرس طلابُ إحدى الفصول فيها في ( مطبخ ) ، والسبورة وضِعَتْ فوق أنابيبِ ( حنفية ) حوض الغسيل !! فهل ستصدقون ؟
ولو قيل لكم : أن في إحدى المدارس كان الطلابُ يؤدون ( حصة التربية البدنية ) في السَّطْح ! فهل ستصدقون ؟
وبين الفينة والأخرى تسقطُ الكرةُ على الجار المغلوب على أمره .. ( وكم مرةً حضر وكأن مردة سليمان وعفاريته تحوم فوق رأسه ولهم أطيطٌ وزَمْزَمَة ! ) .
وهكذا تَعلَّم الطلاب في تلك المدرسة الحميدةِ ، الأخلاقَ الحميدةَ ، و( احترامَ الجار ) ! .
ولو قيل لكم : أن هناك مدرسة يتفسَّحُ الطلاب فيها آنذاك في السطح ؛ لأن المقصف في السطح ! فهل ستصدقون ؟ ( ولم يسلم أيضاً جار هؤلاء من العلب الفارغة ومن فضلات الطعام وهي تتهاوى عليه من الأعلى كأنها حجارةٌ من سجيل رمتها الطيور الأبابيل ) !! .
للهِ درُّ الوزارة ! ( فالناس قد وصلوا سطح القمر ، وهم أوصلوا أبناء المسلمين سطوح المدارس ) !! .
دونَكم هذه - أيُّها السَّادة - : معلِّمٌ ( كفيف ) في مدرسةٍ ما ، انبثقت نباهة مديرها الغيور العبقري ، فجعله معلماً لمادة : الفنيَّة ( الرسم ) !! .
لا تعليق .. !
خُذوا هذه - أيضاً - واضحكُوا عليها ( فشرُّ البليَّةِ ما يُضْحِك ) ! ؛ فهي من نوادر التعليم ومُلَحِ الوزارة ..
في مدرسةٍ مَّا ، - رأيتُها بأمِّ عيني – يذهب المعلم أعزَّكُم الله إلى الحمَّام ... لا ، لا ، ليس للحاجة في التفريغ ، وإنما للحاجة في التزويد !! .
أنا لا أمزح أيها السادة .. تقولون لي كيف ؟! أقول لكم .. هؤلاء أيُّها الأفاضل ، معلمون مغلوبٌ على أمرهم ( مطبخهم الصغير في الحمَّام ) !! نَعَم في الحمام ! فبرادة الماء وأكواب( الشاي ) والقهوة في الحمام !! بحجة عدم توفر غرفة لذلك ! وقد وضع أحدهم على كرسي الحمام قطعة ( بَلَكَاش ) !! وكلُّ المعلمين هنالك نسوا بأنه حمام ! ، سوى ( الصَّراصِير) والبَعُوض ! ؛ لأنَّ ( أهلَ المَجَاري أدرَى بشِعَابِهَا ) !!
وهكذا ضاع معلمو تلك المدرسة الشريفة - كغيرهم من المعلمين - بين غَبَشِ التَّعاميم ، وغَلَسِ التهمِيش ، وحَنَادِس الاضطِهَاد ، ودَيَاجِي الظُّلم ، وجَنَان (1) نكران الجميل ، وادْلِهمَام العقوبات ، وسَجَا الحُسُومات ، ولم يروا قط – ولن يروا – بُلْجَةَ فجر الثواب ، ولا حتى ذنَب السِّرحان ( وهو الفجر الكاذب ) !! ، حتى ( أتتهم الوزارةُ من بين أيدِيهم ، ومن خَلْفِهِم ، وعَن أيمَانِهم ، وعَن شَمَائِلِهِم ) ، وحتى تكوَّرت حولَهم ( ظلماتٌ بعضُها فوقَ بَعْض ) !! .
وكلُّ هذهِ المدارس التي ذكرتُ آنفاً ، ليست في أدْغال أفريقيا ، أو في جُزُر الوَاق وَاق .. !! بل هذه المدارسُ جميعُها في ( العاصمةِ ) الرِّياض !! .
صَدِّقوا ، أو لا تُصَدِّقُوا .. كلُّ هذه تهونُ عند ما سأرويه لكم عن ( مَكْتَبِ المُرشِدِ الطُّلابِي ) !
عُيِّنَ صاحبُنا مرشداً طلابياً في مدرسةٍ مَّا ، في ( المنطقة الوسْطى ) ؛ ففرحَ وذهبَ مغتبطاً حينها لا يَلوي على شيءٍ ، سوى مباشرته وأدائه لرسالته في مكتبه الخاص .
ذهب إلى هاتيك المدرسة ، وتوجه إلى غرفة المدير ، وسلم عليه ، وأخبره بأنه مرشدٌ طلابي ، وقد عيِّن في هذه المدرسة النبيلة ، ففرح المدير حقيقة بهذا الأمر ؛ لأن المرشد الطلابي - في واقع الأمر - إن أدَّى مهمته على أكمل وجه جنى المجتمعُ المدرسيُّ بوجوده ( ثمراتٍ مختلفاً ألوانُها )، وإن لم يقم بعمله أو كان ذا فكرٍ ضالٍّ لم تجنِ المدرسة بوجوده إلا ( غرابيب سُود ) ! .
على كلِّ حال ... رحَّبَ المديرُ به .. ولكن سرعان ما تلون وجهه وتغيرت نبرة صوته ! فأوجس صاحبنا منه خيفة .. ثم قال المدير : المشكلة يا عزيزي المرشد ( لا توجد عندنا غرفة مخصصة للمرشد الطُّلابي ) !!
قال صاحبنا : كيف ذلك ؟! وأنا معيَّنٌ من قبل المسؤولين ! ؛ لأنه من الطبيعي ألا يعيَّن شخصٌ في أيِّ قطاعٍ كان ، إلا إذا كان مكان عمله مجهزاً ومعروفاً ، وقد هيئت له البيئة المناسبة . ( وقد نسي صاحبنا أن الذي أرسله مسؤولون في وزارة التربية والتعليم ) وما أنساه إلا الشيطانُ أن يذكره ! ..
قال له المدير : لا عليك ، سأجد لك غرفةً مناسبة تليق بمقامك الكريم ..!
ففكر المدير وقدَّر ، هداه الله كيف قدَّر ! ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر وكبَّر ، فقال : الله أكبر .. وجدتها ! إي وربي وجدتها !
وكبَّر صاحبنا وفرح .. وحسب أنه بعد هذا التكبير سيؤثره على نفسه ويعطيه مكتبه الخاص !
فقال : أين المكتب سأبدأ العمل من هذه اللحظة ..
قال المدير : يا لَكَ من رجلٍ محظوظ ! غرفة شرحة مرحة تفوحُ عطراً فيَّاضاً وتبعث هواءً عليلاً ! ، يبعثُ الأنْسَ ، ويسعدُ النَّفْسَ !! .
فتوقع صاحبنا على هذا الوصف أنه سيمنحه غرفةً في ( الدِّيوان الملكي ) ، أو في ( قصر سُلطان بُرونَاي ) ! .
قال المدير : هلمَّ بنا ؛ لنريَك غرفتك الجديدة ، يا لَكَ من محظوظ ! ..
ثم قال - ولسانه يملأ جَوْبَةَ فَمِه - : مكتبك يا أستاذنا المرشد الطلابي الموقر هو : ( حمَّام ) في الدور الأرضي أمام ممرات الطلاب !! .
في هذه اللحظة أيها الإخوة .. كأنه طعنهُ بشغيزةٍ بين جنبيه ، ولا أظن أن عاقلاً بعد هذا لا يحسُّ بدبيبٍ في مفاصله ، وغليانٍ في قلبه ، على ما آل إليه واقع التعليم في بلادنا .. إنه لأمر عظيم وخطبٌ جلل ! لقد سحَّ سحابُ المشَاعر ، ونبعَ ينبوعُ العاطفة ، وانبجس حجرُ الوجدان ؛ ففاضتْ أنهارُ الكلماتِ على بيض القلوب ، وبيض الصَّحائف ..
أتظنونني أمزح أيها السَّادة ؟! هذا والله ما حصل .. ولا أعلم حتى هذه اللحظة ، ( ما سرُّ وزارة التربية والتعليم مع الحمَّامَات ) ؟! هنالك حمام صُيِّرَ ( مطبخاً للمعلمين ) ! وهنا حمامٌ صير ( مكتباً للمرشد الطلابي ) ! أرجوكم رجاءً أعزائي القراء إن كان ثَمَّتَ (2) سرٌّ تعرفونه فراسلوني .. !
لأن الأمر قد يتطور في الأيام القابلة ويأتي تعميم في طيِّه أمرٌ بوضع ( غرفة المعلمين ) على ( البيَّارة الخارجية ) أو يُحَوَّلُ لهم ( كُوع ريحة ) في غرفتهم !! . وسيقال لهم حينها كلمة أصبحت شرطاً وسِنْخاً (3) في اختيار ( المسؤول ) - وجميع المسؤولين كأنهم ( بنو عَلات ) (4) - وهي كلمة : ( احْتَسِبْ ) !! فهذه يا إخوان ( كلمة حقٍّ أريدَ بها بَاطِل ) .. إي وربي .. ليتهم يعرفون المثل الانكليزي الذي يقول : ( إنكار الخطيئة يعني ارتكابَها مرتين ) . ويا ليتهم يعترفون ! .
ويا ليت ذلك المديرَ المحترم – إن كان الحمام لا مناص منه - أعطى صاحبنا حماماً بعيداً عن الطلاب ؛ لكان أرحم بعض الشيء لكنه أعطاه حماماً ومقابلاً لممرات الطلاب ! فكما أنَّ الحمام لم يسلم ، فلن يسلم صاحبنا أيضاً من قَصِيف الطلاب ، وجَلجَلتِهم ، ما بين سَانحٍ وبَارح (5) ! .
كبيرة والله إلا على المسؤولين النوابغ في وزارة التربية والتعليم .. !
أتعرفون أيها السادة ! قصةَ ( عَلِيِّ بنِ الجَهم ) - الشاعر المعروف - مع الخليفة العباسي ( المتوكل ) ، عندما أراد شاعرُنا مدحَه فقال له :
أَنتَ كَالكَلبِ في حِفاظِكَ لِلوُد ** دِ وَكَالتَيسِ في قِراعِ الخُطوبِ ! ؟
فأجمع الحضور على ضربه ، لكنَّ المتوكلَ عرف طبيعة حياته ، وجفاء بيئته الصحراوية القاسية ، فقال لهم : اتركوه ، وأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلةَ ، فيها بستانٌ حسنٌ ، وفي منطقةٍ خضراءَ فاتنةٍ ، تتراقصُ طيورُها ، وتتعانقُ أغصانُها .. وبعد فترة من الزمن رجع الشاعر إلى الخليفة وقال قصيدة غزلية تعتبر من أروع ما قاله ومن أفضل القصائد الغزلية والتي مطلعها :
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ** جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
فقال الخليفة المتوكل : ( لقد خشيت أن يذوب رقة ولطافة ) !
الشاهد من هذه القصة أيها الأفاضل ، أن بعض المسؤولين كعلي بن الجهم في الطبع الأول ، لا في التحول الثاني .. فقد ابتُعِثوا إلى أفضل الدول المتقدمة والتي تُعنى ( باحترام المعلم ) وتجعله الركيزة الأساسية في تطور التعليم .. فمن المفترض أنهم يتأثرون كتأثر علي بن الجهم .. لكنهم ذهبوا ورجعوا ( ومَا فِي كِنَانَةِ أحدِهِم أهْزَع ) ! ؛ ولكي لا نهضمَ حقهم كما هضموا حقوق غيرهم .. لقد أتوا بشيء يُحسب لهم حقيقةً .. فقد جاؤوا بفكرٍ ثمين ، وخبرٍ يقين ، ألا وهو كيفية ( استغلال الحمََّامَات في العَمَليَّةِ التَّربَويَّة ) !! .
ألا ينطبقُ عليهم المثلُ القائل : ( إنما أنتَ خلافَ الضبُع الراكِب ) ؟! .
حقاً .. إن الدم لَيثِعُّ من الجرح وينِجُّ (6) .. ولا أعلم متى سَيَأرَك ( 7) ، ويندمل ، ويجلب ويتقشقش ..
إنَّ المعلمَ والطَّبيبَ كِلَيهِمِا ** لا يِنْصَحَانِ إذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا
على كلِّ حال ... نرجع إلى مرشدِنا الموقَّر ..
لم يصدقْ أحدُ الزُّملاء قصةَ هذا ( المرشدِ الطلابي المحترم ) حتى زارَه وهو قابعٌ في الحمام .. عفواً في ( مكتبِه ) !! .
وعندما زاره ذلك الزميل كان المرشدُ جالساً على الكرسي .. ولا تسألوني ( أكان جالساً على كرسي الحمام أم على كرسيٍّ دوَّار ) ! فأنا نسيتُ أن أسألَ صديقي عن ذلك !! .
يقول صديقي : كان الحمام مستطيلاً ضيِّقاً حَرَجاً ، من يدخله ( كأنما يصَّعَّد في السَّمَاء ) ! ،
فصديقي ( قد بلغ منه المُخَنَّق ) ! (8) . وبلاطُ الحمام كان أخضرَ اللون كأن الطحالبَ والطفيلياتِ قد أبلت فيه بلاءً حسناً ... وعندما رفع رأسه رأى أمراً عجباً ! رأى رأسَ وأنبوب ( الدش ) لم يزل في مكانه ! فقال في نفسه : لعلهم استغلوا الماءَ الحارَّ للطلاب المشاغبين ؛ للاعتراف أو لغيره ! ( يُصَبُّ من فَوقِ رؤوسهمُ الحَمِيم ) !! .
وقد التقط صديقي صوراً للمكتب وما يحتويه .. ولولا أني خِفتُ أن ( أشُقَّ عليكُم ) أعزائي القراء لذيَّلتُ بها المقال ..
ومن المضحك وهي دُعابة – أختم بها المقال - ولا أدري أكتَبَهَا أحدُ الزملاء أو أحد الطلاب المشاكسين ..
كُتِبَ على باب الحمام الذي هو : ( مكتب المرشد الطلابي ) عبارة :
(( اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الخُبثِ والخَبائِث )) !! .
فخرج صديقي من عند ( المرشد الطلابي الموقر المحترم ) وهو يُردِدُ بيتَ شَوقي :
قُمْ لِلْمعلِّم وفِّهِ التّبجِيْلا ** كادَ المُعلِّمُ أنْ يكونَ رَسُوْلا !!
(1) جَنَان : جَنَان الليل سواده وادلهمامه .
(2) ثَمَّتَ : هذه ثّمَّتَ الاسم ، وليست ثُمَّتَ الحرف العاطفة . ولقد كتبتها بالتاء المنبسطة ( المفتوحة ) ، كما جاء في لسان العرب ( وثَمَّتَ أيضاً : بمعنى ثَمَّ ) . 12/81 . وبعضهم جعل كتابتها بالتاء المربوطة هكذا ( ثّمَّةَ ) وبعضهم أجاز الأمرين لوجودها في اللسان كما أوردتُ . ولمجيئها في بعض مخطوطات الكتب القديمة بالتاء المفتوحة والمربوطة ..
(3) السِّنْخ : الأصل .
(4) بنو العَلات : هم أولاد الرجل من نِسوةٍ شتى .
(5) السَّانِح : هو الذي يمر عن يمينك ، والبَارح : الذي يمر عن يسارك .
(6) يَنِجّ : أي يسيل .
(7) يَأرَك : أي يسكن ورمه ويتماثل .
(8) ( بلغ منه المُخَنَّق ) مَثَلٌ يعني : بلغ منه الجَهد .
العاقلُ هو الذي يستمع القول فيتبع أحسنه ؛ ويتجلَّى ذلك عندما تخاطبُ شخصاً عاقلاً ، فإنك ستختصرُ له الكلام المفيدَ بأقلِّ حروف ، وسيدركُ ذلك العاقلُ القصدَ ، ويتدارك الزَّلَل ، ويصل معك في الأخير إلى الثَمَرة الناضِجة ، وإلى حقيقة قد تكون غائبةً عنه ، وبالتالي ستبتعدُ عن السخرية أو الاستهزاء ، أو التعريض أو التهكُّمِ بِه..
فاللهُ تعالى قال في محكم التنزيل - وهي رسالة إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه - : (( ولا يَأتَلِ أولُوا الفضْلِ منكم والسَّعَةِ أن يُؤتوا أولي القُربى والمساكينَ والمهاجرينَ في سبيلِ اللهِ ولْيعفوا ولْيصفَحُوا ... الآية )) . ففهم أبو بكر المراد واستفاد ؛ لأنه عاقل ..
ودونَكم رسائل المصطفى عَليه السَّلام ونصائِحه إلى أصحابه وأحاديثه معهم فإنها عباراتٌ قصيرةٌ وكلماتٌ معدودة تنساب كالجدول الرَّقرَاق في عقول أولي الألباب فيجنوا ثمارَها اليانعةَ الدانية ؛ فعلى سبيل المثال لا الحَصر .. نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : (( اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ ، وأتبع السَّيئة الحسنةَ تمْحها ، وخالق الناسَ بخلقٍ حَسَن )) . واستفاد منها معاذ رضي الله عنه ؛ لأنه عاقلٌ ..
أيضاً رسالة أبي بكرٍ الناصحة إلى خالد بن الوليد عند قتال الروم ، ورسالة عمرَ إلى أبي عبيدة قبل موت الأخير رضي الله عنهم أجمعين ... وهلمَّ جَرا ... .
ولكن عندما يكون المخاطب كالذين استُهزئ بهم ، وقال الله فيهم (( إنْ هُم إلا كالأنعَامِ بَلْ هُم أضلُّ سَبيْلا )) أو كالذي قال عنه الشاعر :
لَـقـدْ أسـمَعْـت لو نـاديـت حَـيـّاً ** ولـكـنْ لا حَـيـَـاة لِـمَـنْ تـُنـَـادِي
ولـو ناراً نفَـخْـت بـِهَا أضاءت ** ولـكـن أنْـتَ تـنْـفـخُ فِي رَمـَــادِ
فإن أردتَ مخاطبته فلا مناص - بتقديري – من مخاطبته برسالة ( كرسَالَةِ بن زَيدُون الهزلية ) ، أو على طريقة ( المتنبِّي ) شاعر العرب الدَّاهية ، في هجائه لضبَّة العُتْبِي – مع اعتراضي على بعض ما ورد فيها - ودهائه في اختياره لنوع البَحْر الشِّعْري ، وإيصال ما يُريدُ بسُخريَة ، وتَوْقِيْعِ القصيدة ببيتين حَكيمَيْن :
وَإِن عَرَفتَ مُرادي ** تَكَشَّفَت عَنكَ كُربَة ْ
وَإِن جَهِلتَ مُرادي ** فَإِنَّــهُ بــِكَ أَشـبَــهْ !!
أخي القارئ الكريم !
قدمتُ هذه الدِّيباجةَ اللطيفة لكي تكونَ مدخلاً وحجةً لما أريد قوله وعرضه ..
وكلي أسفٌ وامتِعاض ، لما آلَ إليه حال ( التعليم في بلادي ) ، والحديث عن التعليم - كما تعلمون - ذو شجون .. ولكني سأذكر حادثة بعينها بعد هذه الأسئلة اليسيرة ؛ لكيلا أسلك بكم شعاباً وأوديةً لا خروجَ منها ولا خلاص ..
لو قيل لكم أيها الأفاضل : أنَّ هناك مدرسةً - ولا زالت - يدرس طلابُ إحدى الفصول فيها في ( مطبخ ) ، والسبورة وضِعَتْ فوق أنابيبِ ( حنفية ) حوض الغسيل !! فهل ستصدقون ؟
ولو قيل لكم : أن في إحدى المدارس كان الطلابُ يؤدون ( حصة التربية البدنية ) في السَّطْح ! فهل ستصدقون ؟
وبين الفينة والأخرى تسقطُ الكرةُ على الجار المغلوب على أمره .. ( وكم مرةً حضر وكأن مردة سليمان وعفاريته تحوم فوق رأسه ولهم أطيطٌ وزَمْزَمَة ! ) .
وهكذا تَعلَّم الطلاب في تلك المدرسة الحميدةِ ، الأخلاقَ الحميدةَ ، و( احترامَ الجار ) ! .
ولو قيل لكم : أن هناك مدرسة يتفسَّحُ الطلاب فيها آنذاك في السطح ؛ لأن المقصف في السطح ! فهل ستصدقون ؟ ( ولم يسلم أيضاً جار هؤلاء من العلب الفارغة ومن فضلات الطعام وهي تتهاوى عليه من الأعلى كأنها حجارةٌ من سجيل رمتها الطيور الأبابيل ) !! .
للهِ درُّ الوزارة ! ( فالناس قد وصلوا سطح القمر ، وهم أوصلوا أبناء المسلمين سطوح المدارس ) !! .
دونَكم هذه - أيُّها السَّادة - : معلِّمٌ ( كفيف ) في مدرسةٍ ما ، انبثقت نباهة مديرها الغيور العبقري ، فجعله معلماً لمادة : الفنيَّة ( الرسم ) !! .
لا تعليق .. !
خُذوا هذه - أيضاً - واضحكُوا عليها ( فشرُّ البليَّةِ ما يُضْحِك ) ! ؛ فهي من نوادر التعليم ومُلَحِ الوزارة ..
في مدرسةٍ مَّا ، - رأيتُها بأمِّ عيني – يذهب المعلم أعزَّكُم الله إلى الحمَّام ... لا ، لا ، ليس للحاجة في التفريغ ، وإنما للحاجة في التزويد !! .
أنا لا أمزح أيها السادة .. تقولون لي كيف ؟! أقول لكم .. هؤلاء أيُّها الأفاضل ، معلمون مغلوبٌ على أمرهم ( مطبخهم الصغير في الحمَّام ) !! نَعَم في الحمام ! فبرادة الماء وأكواب( الشاي ) والقهوة في الحمام !! بحجة عدم توفر غرفة لذلك ! وقد وضع أحدهم على كرسي الحمام قطعة ( بَلَكَاش ) !! وكلُّ المعلمين هنالك نسوا بأنه حمام ! ، سوى ( الصَّراصِير) والبَعُوض ! ؛ لأنَّ ( أهلَ المَجَاري أدرَى بشِعَابِهَا ) !!
وهكذا ضاع معلمو تلك المدرسة الشريفة - كغيرهم من المعلمين - بين غَبَشِ التَّعاميم ، وغَلَسِ التهمِيش ، وحَنَادِس الاضطِهَاد ، ودَيَاجِي الظُّلم ، وجَنَان (1) نكران الجميل ، وادْلِهمَام العقوبات ، وسَجَا الحُسُومات ، ولم يروا قط – ولن يروا – بُلْجَةَ فجر الثواب ، ولا حتى ذنَب السِّرحان ( وهو الفجر الكاذب ) !! ، حتى ( أتتهم الوزارةُ من بين أيدِيهم ، ومن خَلْفِهِم ، وعَن أيمَانِهم ، وعَن شَمَائِلِهِم ) ، وحتى تكوَّرت حولَهم ( ظلماتٌ بعضُها فوقَ بَعْض ) !! .
وكلُّ هذهِ المدارس التي ذكرتُ آنفاً ، ليست في أدْغال أفريقيا ، أو في جُزُر الوَاق وَاق .. !! بل هذه المدارسُ جميعُها في ( العاصمةِ ) الرِّياض !! .
صَدِّقوا ، أو لا تُصَدِّقُوا .. كلُّ هذه تهونُ عند ما سأرويه لكم عن ( مَكْتَبِ المُرشِدِ الطُّلابِي ) !
عُيِّنَ صاحبُنا مرشداً طلابياً في مدرسةٍ مَّا ، في ( المنطقة الوسْطى ) ؛ ففرحَ وذهبَ مغتبطاً حينها لا يَلوي على شيءٍ ، سوى مباشرته وأدائه لرسالته في مكتبه الخاص .
ذهب إلى هاتيك المدرسة ، وتوجه إلى غرفة المدير ، وسلم عليه ، وأخبره بأنه مرشدٌ طلابي ، وقد عيِّن في هذه المدرسة النبيلة ، ففرح المدير حقيقة بهذا الأمر ؛ لأن المرشد الطلابي - في واقع الأمر - إن أدَّى مهمته على أكمل وجه جنى المجتمعُ المدرسيُّ بوجوده ( ثمراتٍ مختلفاً ألوانُها )، وإن لم يقم بعمله أو كان ذا فكرٍ ضالٍّ لم تجنِ المدرسة بوجوده إلا ( غرابيب سُود ) ! .
على كلِّ حال ... رحَّبَ المديرُ به .. ولكن سرعان ما تلون وجهه وتغيرت نبرة صوته ! فأوجس صاحبنا منه خيفة .. ثم قال المدير : المشكلة يا عزيزي المرشد ( لا توجد عندنا غرفة مخصصة للمرشد الطُّلابي ) !!
قال صاحبنا : كيف ذلك ؟! وأنا معيَّنٌ من قبل المسؤولين ! ؛ لأنه من الطبيعي ألا يعيَّن شخصٌ في أيِّ قطاعٍ كان ، إلا إذا كان مكان عمله مجهزاً ومعروفاً ، وقد هيئت له البيئة المناسبة . ( وقد نسي صاحبنا أن الذي أرسله مسؤولون في وزارة التربية والتعليم ) وما أنساه إلا الشيطانُ أن يذكره ! ..
قال له المدير : لا عليك ، سأجد لك غرفةً مناسبة تليق بمقامك الكريم ..!
ففكر المدير وقدَّر ، هداه الله كيف قدَّر ! ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر وكبَّر ، فقال : الله أكبر .. وجدتها ! إي وربي وجدتها !
وكبَّر صاحبنا وفرح .. وحسب أنه بعد هذا التكبير سيؤثره على نفسه ويعطيه مكتبه الخاص !
فقال : أين المكتب سأبدأ العمل من هذه اللحظة ..
قال المدير : يا لَكَ من رجلٍ محظوظ ! غرفة شرحة مرحة تفوحُ عطراً فيَّاضاً وتبعث هواءً عليلاً ! ، يبعثُ الأنْسَ ، ويسعدُ النَّفْسَ !! .
فتوقع صاحبنا على هذا الوصف أنه سيمنحه غرفةً في ( الدِّيوان الملكي ) ، أو في ( قصر سُلطان بُرونَاي ) ! .
قال المدير : هلمَّ بنا ؛ لنريَك غرفتك الجديدة ، يا لَكَ من محظوظ ! ..
ثم قال - ولسانه يملأ جَوْبَةَ فَمِه - : مكتبك يا أستاذنا المرشد الطلابي الموقر هو : ( حمَّام ) في الدور الأرضي أمام ممرات الطلاب !! .
في هذه اللحظة أيها الإخوة .. كأنه طعنهُ بشغيزةٍ بين جنبيه ، ولا أظن أن عاقلاً بعد هذا لا يحسُّ بدبيبٍ في مفاصله ، وغليانٍ في قلبه ، على ما آل إليه واقع التعليم في بلادنا .. إنه لأمر عظيم وخطبٌ جلل ! لقد سحَّ سحابُ المشَاعر ، ونبعَ ينبوعُ العاطفة ، وانبجس حجرُ الوجدان ؛ ففاضتْ أنهارُ الكلماتِ على بيض القلوب ، وبيض الصَّحائف ..
أتظنونني أمزح أيها السَّادة ؟! هذا والله ما حصل .. ولا أعلم حتى هذه اللحظة ، ( ما سرُّ وزارة التربية والتعليم مع الحمَّامَات ) ؟! هنالك حمام صُيِّرَ ( مطبخاً للمعلمين ) ! وهنا حمامٌ صير ( مكتباً للمرشد الطلابي ) ! أرجوكم رجاءً أعزائي القراء إن كان ثَمَّتَ (2) سرٌّ تعرفونه فراسلوني .. !
لأن الأمر قد يتطور في الأيام القابلة ويأتي تعميم في طيِّه أمرٌ بوضع ( غرفة المعلمين ) على ( البيَّارة الخارجية ) أو يُحَوَّلُ لهم ( كُوع ريحة ) في غرفتهم !! . وسيقال لهم حينها كلمة أصبحت شرطاً وسِنْخاً (3) في اختيار ( المسؤول ) - وجميع المسؤولين كأنهم ( بنو عَلات ) (4) - وهي كلمة : ( احْتَسِبْ ) !! فهذه يا إخوان ( كلمة حقٍّ أريدَ بها بَاطِل ) .. إي وربي .. ليتهم يعرفون المثل الانكليزي الذي يقول : ( إنكار الخطيئة يعني ارتكابَها مرتين ) . ويا ليتهم يعترفون ! .
ويا ليت ذلك المديرَ المحترم – إن كان الحمام لا مناص منه - أعطى صاحبنا حماماً بعيداً عن الطلاب ؛ لكان أرحم بعض الشيء لكنه أعطاه حماماً ومقابلاً لممرات الطلاب ! فكما أنَّ الحمام لم يسلم ، فلن يسلم صاحبنا أيضاً من قَصِيف الطلاب ، وجَلجَلتِهم ، ما بين سَانحٍ وبَارح (5) ! .
كبيرة والله إلا على المسؤولين النوابغ في وزارة التربية والتعليم .. !
أتعرفون أيها السادة ! قصةَ ( عَلِيِّ بنِ الجَهم ) - الشاعر المعروف - مع الخليفة العباسي ( المتوكل ) ، عندما أراد شاعرُنا مدحَه فقال له :
أَنتَ كَالكَلبِ في حِفاظِكَ لِلوُد ** دِ وَكَالتَيسِ في قِراعِ الخُطوبِ ! ؟
فأجمع الحضور على ضربه ، لكنَّ المتوكلَ عرف طبيعة حياته ، وجفاء بيئته الصحراوية القاسية ، فقال لهم : اتركوه ، وأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلةَ ، فيها بستانٌ حسنٌ ، وفي منطقةٍ خضراءَ فاتنةٍ ، تتراقصُ طيورُها ، وتتعانقُ أغصانُها .. وبعد فترة من الزمن رجع الشاعر إلى الخليفة وقال قصيدة غزلية تعتبر من أروع ما قاله ومن أفضل القصائد الغزلية والتي مطلعها :
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ** جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
فقال الخليفة المتوكل : ( لقد خشيت أن يذوب رقة ولطافة ) !
الشاهد من هذه القصة أيها الأفاضل ، أن بعض المسؤولين كعلي بن الجهم في الطبع الأول ، لا في التحول الثاني .. فقد ابتُعِثوا إلى أفضل الدول المتقدمة والتي تُعنى ( باحترام المعلم ) وتجعله الركيزة الأساسية في تطور التعليم .. فمن المفترض أنهم يتأثرون كتأثر علي بن الجهم .. لكنهم ذهبوا ورجعوا ( ومَا فِي كِنَانَةِ أحدِهِم أهْزَع ) ! ؛ ولكي لا نهضمَ حقهم كما هضموا حقوق غيرهم .. لقد أتوا بشيء يُحسب لهم حقيقةً .. فقد جاؤوا بفكرٍ ثمين ، وخبرٍ يقين ، ألا وهو كيفية ( استغلال الحمََّامَات في العَمَليَّةِ التَّربَويَّة ) !! .
ألا ينطبقُ عليهم المثلُ القائل : ( إنما أنتَ خلافَ الضبُع الراكِب ) ؟! .
حقاً .. إن الدم لَيثِعُّ من الجرح وينِجُّ (6) .. ولا أعلم متى سَيَأرَك ( 7) ، ويندمل ، ويجلب ويتقشقش ..
إنَّ المعلمَ والطَّبيبَ كِلَيهِمِا ** لا يِنْصَحَانِ إذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا
على كلِّ حال ... نرجع إلى مرشدِنا الموقَّر ..
لم يصدقْ أحدُ الزُّملاء قصةَ هذا ( المرشدِ الطلابي المحترم ) حتى زارَه وهو قابعٌ في الحمام .. عفواً في ( مكتبِه ) !! .
وعندما زاره ذلك الزميل كان المرشدُ جالساً على الكرسي .. ولا تسألوني ( أكان جالساً على كرسي الحمام أم على كرسيٍّ دوَّار ) ! فأنا نسيتُ أن أسألَ صديقي عن ذلك !! .
يقول صديقي : كان الحمام مستطيلاً ضيِّقاً حَرَجاً ، من يدخله ( كأنما يصَّعَّد في السَّمَاء ) ! ،
فصديقي ( قد بلغ منه المُخَنَّق ) ! (8) . وبلاطُ الحمام كان أخضرَ اللون كأن الطحالبَ والطفيلياتِ قد أبلت فيه بلاءً حسناً ... وعندما رفع رأسه رأى أمراً عجباً ! رأى رأسَ وأنبوب ( الدش ) لم يزل في مكانه ! فقال في نفسه : لعلهم استغلوا الماءَ الحارَّ للطلاب المشاغبين ؛ للاعتراف أو لغيره ! ( يُصَبُّ من فَوقِ رؤوسهمُ الحَمِيم ) !! .
وقد التقط صديقي صوراً للمكتب وما يحتويه .. ولولا أني خِفتُ أن ( أشُقَّ عليكُم ) أعزائي القراء لذيَّلتُ بها المقال ..
ومن المضحك وهي دُعابة – أختم بها المقال - ولا أدري أكتَبَهَا أحدُ الزملاء أو أحد الطلاب المشاكسين ..
كُتِبَ على باب الحمام الذي هو : ( مكتب المرشد الطلابي ) عبارة :
(( اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الخُبثِ والخَبائِث )) !! .
فخرج صديقي من عند ( المرشد الطلابي الموقر المحترم ) وهو يُردِدُ بيتَ شَوقي :
قُمْ لِلْمعلِّم وفِّهِ التّبجِيْلا ** كادَ المُعلِّمُ أنْ يكونَ رَسُوْلا !!
(1) جَنَان : جَنَان الليل سواده وادلهمامه .
(2) ثَمَّتَ : هذه ثّمَّتَ الاسم ، وليست ثُمَّتَ الحرف العاطفة . ولقد كتبتها بالتاء المنبسطة ( المفتوحة ) ، كما جاء في لسان العرب ( وثَمَّتَ أيضاً : بمعنى ثَمَّ ) . 12/81 . وبعضهم جعل كتابتها بالتاء المربوطة هكذا ( ثّمَّةَ ) وبعضهم أجاز الأمرين لوجودها في اللسان كما أوردتُ . ولمجيئها في بعض مخطوطات الكتب القديمة بالتاء المفتوحة والمربوطة ..
(3) السِّنْخ : الأصل .
(4) بنو العَلات : هم أولاد الرجل من نِسوةٍ شتى .
(5) السَّانِح : هو الذي يمر عن يمينك ، والبَارح : الذي يمر عن يسارك .
(6) يَنِجّ : أي يسيل .
(7) يَأرَك : أي يسكن ورمه ويتماثل .
(8) ( بلغ منه المُخَنَّق ) مَثَلٌ يعني : بلغ منه الجَهد .