عبدالله الغنيم
11-04-2010, 02:27PM
صَدِيقِي وقَصيْدةُ ( القَصْعَبِيْص ) !
إخواني الأعزَّاء ! سأترجَّلُ هذه المرَّة عن قلمِ الأدَبِ – قليلاً - مُضطراً ، وأمتطي ( كديشاً ) لا أعلم إلى أين سيقودني ! وعلى أيِّ شيءٍ سيمرُّ بي ! فالعذر – مسبقاً - على بعض الهفوات اللغويَّة ، والعبارات السطحيَّة ، و( الشطحات ) الفكريَّة ، التي لا مناصَ منها ..
وهكذا حالُ الدنيا وديدنُها ؛ لا تفتأ تتقلبُ وتتحوَّلُ : سَعادة وتعاسَة ، وصَفاء وكدَر ، وفرَح وضَجَر ، ويُسر وعُسر ، وسُكون وريَاح ، وتغريدٌ ونِباح ، ووِهَادٌ ونِجَاد ، وحرارةٌ وبرَاد ... .
ذاتَ ليلةٍ بديعةٍ قَمْرَاءَ ، كضوء الصُّبح ، سُحِرتُ بشذى نسيمها العليل الذي أصحَّ وأنعشَ جسمي العليل .. ! وهذا من لطائف النسيم وعجائبه ! ؛ ( عليلٌ ) يداوي وتَصِحُّ به الأجسامُ العليلة .. !
حَسْبُ النسيمِ مِنَ اللَّطَافَةِ أنَّهُ ** صَحَّتْ بِهِ الأجْسَامُ وَهْوَ عَـلِـيْـلُ !!
كأن البدر آنذاك وجهُ سلمى ( ولا تسألوني عن وجه سلمى ومن هي ) ! .
فتاة جميلة وكفى .. !
كنتُ جذلاً حينها ( لا أغبطُ السُّلطانَ في مُلكِه ) كما يقولون . وليس لسلمى ووجهِهَا القمريِّ أيُّ عَلاقةٍ في ارتياحي ! ..
زارني أحدُ الأصدقاء حينها .. وكان ضدي تماماً ؛ يبدو على مُحيَّاهُ الانكسارُ والكآبة .. !
فجلسنا نتسامر ونتجاذب أطرافَ الحديث قليلاً ، وسألتُه عن حاله وحالِ أقاربه..
وفي دَرْج حديثنا .. قال لي : إن مجيئي إليكَ هذه الليلة لأمر لغوي .
قلتُ : وما ظنك بمن زرتَ ؟ أتظنه سِيبويْه ، أو نِفْطويْه ؟! أو أبا الأسودِ الدؤلي ؟!
قالَ : اسمع ، إني أشُكُّ في لغتي ! أحسُّ بأني ضعيفٌ لغوياً !
قلتُ : وبماذا حكمتَ على نفسك ؟
قال : إني أتصفَّح بعض المنتديات على الشبكة العنكبوتية والتي تُعنَى بالأدب والشِّعر - ( ولا يعني صديقي بذلك منتدى رهب الأشَمّ ) ! - فأقرأ بعضَ الشِّعر والقصائدِ ولا أفهم شيئاً !
قلت : لا تفهم شيئاً أبداً ؟!
قال : ولا جملة واحدةً !!
فدار في خاطري أني رافقت - منذ فترة - صديقاً من موزنبيق ، أو من بلاد التتار ! وللتو اكتشفتُ !
فأوجَسْتُ في نفسي ما أوجستُ .. ثم قلت له :
أتفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفضلِ من نطق بالعربية على وجه البسيطة : (( خِيَارُكُم أحَاسِنُكم أخْلاقاً )) ؟ صحيح الجامع .
قال : نعم .
قلت : ألا تفهم قول المتنبي شاعرِ العربِ الأوَّل ، وأفضلِ من قال شعراً على ظهر البسيطة :
إذا اعتادَ الفتى خوضَ المَنَايَا ** فأهـونُ ما يـمـرُّ بِـهِ الـوحُـولُ ؟
قال : بلى .
قلت : الحمد لله .. إذن لغتك أصيلة ، وأنت عربي قُحّ ! فَلِمَ تشكُّ في لِسنِك ، وعربيتك يا رجل ؟!
قال : هذا النوع من الكلام والشعر أفهمه ؛ لكنَّ هناك نوعاً من الشعر الحديث لا أستطيع فهمه .
قلت : أتُرَاكَ تقصد بعض شعر ( الحداثة والمولَّدين ) ؟
قال : هو ذاك !
قلت : ثكلتكَ أمُّك يا رجل ! ( وهل يكبُّ الناسَ على وجوههم في دَرَكِ الإسفاف وحضيض الانحطاط إلا حداثةُ ألسنتِهِم ) ؟!
غالبُ هؤلاء أناسٌ يُسوِّقون ( لِتُرَّهَات البَسَابِس ) (1) ! ولو فهمتَ ما يقولون - حقاً - لحكمتُ على لغتك بالمرض وعقلِك بالجنون ، ولَمَا كنتَ عربياً أصلاً ؛ بل هم أنفسهم لا يَعُون ما يلفِظون ! ولا يدركون ما يقولون !! وبعضهم ( أكذبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج ) ! ( أي : أكذبُ الأحياء والأموات ) .. !
همهمة وتمتمة ، وحروف مبعثرة ، لا لبَّ ولا ثمرة ! شعرهم المزعوم ليس له هدف ولا معنىً .. أناسُ عقَّدوا أنفُسَهُم ويريدون تعقيد غيرهم !
بل إنَّ واحدَهم يريد أن يعكس لنفسه صورة للناس بأنه ذكيٌّ كيِّسٌ فطنٌ ، واسع الخيال ، بعيد الأفق ، عظيم المدارك ، دليل المسالك ، مرهفُ الحس ، رقيقُ الهمس ، طويل البَاع ، مفتولُ الذراع ... وهو عكسُ ذلك تماماً .. بل إن بعضَهُم يعاني مرضاً نفسيّاً ..
( فالغُمُوضُ والإبْهَامُ والرَّمْز ) ركنٌ من أركان بيتهم العنكبوتي المُظلِّلِ لأدبهم وشعرهم المَوبُوء .. ( وإنَّ أوهنَ البُيُوت لبيتُ العنكبوتِ لو كانُوا يعلمُون ) ! .
أوَلَمْ يقل النبي عليه السلام : (( إنَّ مِنَ الشِّعْر لَحِكْمَة )) ؟ أين هي الحكمة التي هي ( ضالَّة المؤمن ) من ترَّهاتهم ؟! فالحكمة لا تجنى من حَنظل ألأفكَار ، ومَرَاتِع الوَبَاء ؛ كما أنَّه ( لا يُجْنَى من الشَّوكِ العِنَب ) !
ألم يقل الشاعر :
إذا الشِّعرُ لم يهززكَ عند سَمَاعِهِ ** فَلَيسَ جَديراً أن يُقالَ لَهُ شِعْرُ ؟!
بالله عليك .. عند قراءتك ( لطلاسِمِهِم ) هل تحسُّ باهتزاز في بدنك ، واقشعرار في جلدك ، أم أنك تحس بمغصٍ في بطنك ، واشمئزاز في قلبك ، وغثيان في كبدك ( حومة كبد ) ! ، وشعور يكاد أن يقتلعَ الذوقَ السليم والفطرة السويَّة في طبعك ؟!!
أم هل تستطيع أنْ تستشهدَ بشعرهم في المواقف والمحافل ؟! قطعاً لا . إلا إذا أردتَ أن يضحك عليك الجُمهور ؛ كما ضحكوا على ( بوش ) الابن ، عندما طافته ( كندرة ) ( الزيدي ) وهي تمشي ألفَ كيل في الساعة !!
باختصار مفيد – مع هدفهم الأسمى نبذ القيم والمَبَادئ - ( هم يريدون هدمَ اللغة العربية ) ..
ثم عرضتُ عليه فكرة ، فقلتُ له :
ما رأيك أن أجعلك من قارئ لترَُّهَاتِهِم وخُزَعْبَلاتهم إلى شاعرٍ ( نابِغة ) من نوابغهم ؛ بل أفضلَ منهم ؟!
فلم يصدق !
قلتُ : سَبَقَ لي أن قرأتُ بعض الخُطُوات في ذلك ، وسأضيف إليها بعض الشيء ..
خذ هذه الورقة والقلم . واكتب ما أمليه عليك .
** أولاً .. هاتِ أيَّ شيءٍ يخطر في بالك وتستحي منه قال : كيف ؟! قلت : يعني أعطني أيَّ فكرة تافهة ، أو أي خاطِرة حمقاء ! - مع احترامي لك - أو تخيل أي شيء : ( بشر ، جن ، حيوان ، حشرات) على أي صورة شئت ، أو ركَّبَهَا خيالُك ، وأخبرني بها ..
يعني على سبيل المثال : حَلَزُونة متوَحمة بكَبْدة قِعس .. ! ، ( حَاشي ) له خرطوم فيل وجناح وزَّة .. ! قِردة ملكة جمال الزَّواحف والبَشَر ... ! خُنفَسَاء بيضَاء لها جَدَايل ( فوشيَّة )... !!
أيَّ شيء تافه ، ليس له وجود في عالم الكونيَّات ... !
المُهِمُّ .. اتفقنا - بعد خَيَالاتٍ وتصوُّراتٍ كدَّرتْ علينا صفوَ أفكارنا حتى شكَكَنا في عُقُولِنا !! - اتفقنا على : (حَلَزُونَة متوحّمَة بكبدَة قِعْس) !! .
ثم قلتُ له:
** اكتب :
جاءت حلزونة مهيضة الجناح وقد توحمت بكبدة قعس أسود
أسود أسود أسود .. فسقطت في حفرة !
بكت
بكت
بكت
( أخي القارئ ! كلمة ( بَكَت) من البكاء ، ويصح عندهم أن تفسَّر ( ببكت دُخان ) !!
** والآن احذف الشخصيات ولخبط الجملة لتكون ( حِيْصَ بِيْصَ ) (2) وابنها للمجهول وأضف كلمة واحدة عربية موجودة في القاموس ، ثم أضف كلمةً أو كلمتين أخرَيَيْن ليس لهما أصلٌ في قاموس البشرية قاطبةً ( حتى لا تفهم أنتَ ولا حتى الجن الأزرق ما الذي كتبتَ ) ! . واجعلها بشكل عَمُودي ؛ يعني ستصبح هكذا :
جيئت جناح المهيضة
قعس توحمت
حفرة سقطت قونس .. ( قونس : كلمة في القاموس ).
بكت
بكت
بكت ..
خيوط الشمس قصعبيص ..
قصعبيص
قصعبيص
قصعبيص ..
( أخي القارئ لا تتعب نفسك في البحث عن معنى كلمة ( قَصْعَبِيْص) فهي غير موجودة في أي قاموس من قواميس عالم الجن وعالم الإنس ، ولا فوق الأرض ولا باطنها ، ولا حتى في أيِّ كوكبٍ داخلِ أو خارجِ مجرَّة دَرْبِ التبَّانة ) !!
** وفي الأخير .. أهم رُكنٍ عندهم وهي : ( الإيحاءات الجنسية ) .
فهم يدندنون حول الحَسْنَاء والصَّهْبَاء ! ( الصَّهْبَاء : أي الخَمْر ) .
وحاول أن تجمِّلَ ( الطَّلْسَم ) بكلمات مسجوعة ( كسَجْع الكُهَّان ) ، ثم انثر الحركات على النصِّ ( الخُزَعْبَلِيّ الطلْسَمِيّ ) نثراً ( كما نُثِرَتْ فوق العَروس الدَّراهمُ ) يعني : الضَّمة مكان الكسرة والكسرة مكان الفتحَة والشدَّة مكان السكون ، ودعها ( شَذَرَ مَذَرَ ) ؛ فهم يُجَمِّلون طلاسمَهم - أحياناً - بالحَركات المنثورة في غير مَحلِّها :
فلَو لَبِسَ الحِمَارُ ثِيَابَ خَزِّ ** لَقَالَ الناسُ يا لَكَ مِنْ حِمَارِ ِ!!
فستصبح في النِّهاية هكذا :
جًيَئّتٍ جَنٍاِحّ الٍمِهْيْضّةٍ ًمًَّجِرٍدَةً ُاٌلٌلٌبًاَسِّ !
قَعًسٍ ِتٍوِحْمٍتِ ٍفَتًضّاجّعٍاِ !
فٍاِنْسكِبَ ًاُلٌماُءُ فيٍٍُِ ٌعمٌق الشٌرٍوِرٍّ ..
بًقبٍرًِ َالَزَهّوِرٍ !
وّارّتٍجٍفَ الٍزمهْرْيَرّ باًلزُبَرجُدِ وُاّلًَلُوٌتْسّ ..
فٍنِبضً الّخًوُرٍ ِعْلّىً دُنٌيٌا َاُلشرٌورْ !
هّشِمَ مَفًاُتٌنهّا !!
مَسًٌكُينّة !
مَسٍكْيّنًة !!
يًضُحك ُعلّىَ صّرُخٌاتْ اللِهًبَ ..
ويّصُبً ْشعّاعً الّبًرقْ عَلّى حِامُضّ الّقْصًبَ !!
فّاَنًتٍفِضُ َاًلَحُصٌبْ !!
فانٍتِفْضُ الٌحّصٍُبٌ !!
فِشّرْبّت سّكًرِ الّقْرٌنّفٍل ..!
آآآآآآهّ يا فَاٌنوّساًُ أضاَءٍ ِفي وِحُل اٌلسُمٌاءّ !
فّاشْتُكًتٍ الًحَرٌبِاٍءُ !
حّفَرًةّ سًقٌطَتٍ قْوِنٌسً !!
بكَّتٍ
بٌكْتّ
خيَوِطٍ الشُمٌسٍ قْصَعْبُيٌصً
قَصْعٍبًيُصَ
قَصُعًبٌيٍصْ
قّصِعّبًيــٍــِـُــــُــٌــّـِـٍــْــًـصَ !!
آآآآآآآآآآهً !
آآآآآآآآآآآآآآآهُ !!
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ّ!!!
والآن ، يا صديقي ! انشر ( قَصِيدَة القَصْعَبِيْص ) في أي منتدىً أدبيٍّ تشاء ، ولك ( حاشٍ بدون خرطوم ولا جناح وزَّة ) إن لم ينصَبّ عليك ثَجَّاجُ الردود من مُعصِراتِ الزُّوَّار ومِن المعجبين والمعجبات .. !
أعانكَ اللهُ على الردِّ عليهم .. !!
(1) ترَّهات البسابس : الأباطيل .
(2) حِيْصَ بِيْصَ ، أو حَيْصَ بَيْصَ ، أو حَيْصِ بَيْصِ ، أو حاصِ باصِ : هو الاختلاط في أمر لا مَخرَج منه .
إخواني الأعزَّاء ! سأترجَّلُ هذه المرَّة عن قلمِ الأدَبِ – قليلاً - مُضطراً ، وأمتطي ( كديشاً ) لا أعلم إلى أين سيقودني ! وعلى أيِّ شيءٍ سيمرُّ بي ! فالعذر – مسبقاً - على بعض الهفوات اللغويَّة ، والعبارات السطحيَّة ، و( الشطحات ) الفكريَّة ، التي لا مناصَ منها ..
وهكذا حالُ الدنيا وديدنُها ؛ لا تفتأ تتقلبُ وتتحوَّلُ : سَعادة وتعاسَة ، وصَفاء وكدَر ، وفرَح وضَجَر ، ويُسر وعُسر ، وسُكون وريَاح ، وتغريدٌ ونِباح ، ووِهَادٌ ونِجَاد ، وحرارةٌ وبرَاد ... .
ذاتَ ليلةٍ بديعةٍ قَمْرَاءَ ، كضوء الصُّبح ، سُحِرتُ بشذى نسيمها العليل الذي أصحَّ وأنعشَ جسمي العليل .. ! وهذا من لطائف النسيم وعجائبه ! ؛ ( عليلٌ ) يداوي وتَصِحُّ به الأجسامُ العليلة .. !
حَسْبُ النسيمِ مِنَ اللَّطَافَةِ أنَّهُ ** صَحَّتْ بِهِ الأجْسَامُ وَهْوَ عَـلِـيْـلُ !!
كأن البدر آنذاك وجهُ سلمى ( ولا تسألوني عن وجه سلمى ومن هي ) ! .
فتاة جميلة وكفى .. !
كنتُ جذلاً حينها ( لا أغبطُ السُّلطانَ في مُلكِه ) كما يقولون . وليس لسلمى ووجهِهَا القمريِّ أيُّ عَلاقةٍ في ارتياحي ! ..
زارني أحدُ الأصدقاء حينها .. وكان ضدي تماماً ؛ يبدو على مُحيَّاهُ الانكسارُ والكآبة .. !
فجلسنا نتسامر ونتجاذب أطرافَ الحديث قليلاً ، وسألتُه عن حاله وحالِ أقاربه..
وفي دَرْج حديثنا .. قال لي : إن مجيئي إليكَ هذه الليلة لأمر لغوي .
قلتُ : وما ظنك بمن زرتَ ؟ أتظنه سِيبويْه ، أو نِفْطويْه ؟! أو أبا الأسودِ الدؤلي ؟!
قالَ : اسمع ، إني أشُكُّ في لغتي ! أحسُّ بأني ضعيفٌ لغوياً !
قلتُ : وبماذا حكمتَ على نفسك ؟
قال : إني أتصفَّح بعض المنتديات على الشبكة العنكبوتية والتي تُعنَى بالأدب والشِّعر - ( ولا يعني صديقي بذلك منتدى رهب الأشَمّ ) ! - فأقرأ بعضَ الشِّعر والقصائدِ ولا أفهم شيئاً !
قلت : لا تفهم شيئاً أبداً ؟!
قال : ولا جملة واحدةً !!
فدار في خاطري أني رافقت - منذ فترة - صديقاً من موزنبيق ، أو من بلاد التتار ! وللتو اكتشفتُ !
فأوجَسْتُ في نفسي ما أوجستُ .. ثم قلت له :
أتفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفضلِ من نطق بالعربية على وجه البسيطة : (( خِيَارُكُم أحَاسِنُكم أخْلاقاً )) ؟ صحيح الجامع .
قال : نعم .
قلت : ألا تفهم قول المتنبي شاعرِ العربِ الأوَّل ، وأفضلِ من قال شعراً على ظهر البسيطة :
إذا اعتادَ الفتى خوضَ المَنَايَا ** فأهـونُ ما يـمـرُّ بِـهِ الـوحُـولُ ؟
قال : بلى .
قلت : الحمد لله .. إذن لغتك أصيلة ، وأنت عربي قُحّ ! فَلِمَ تشكُّ في لِسنِك ، وعربيتك يا رجل ؟!
قال : هذا النوع من الكلام والشعر أفهمه ؛ لكنَّ هناك نوعاً من الشعر الحديث لا أستطيع فهمه .
قلت : أتُرَاكَ تقصد بعض شعر ( الحداثة والمولَّدين ) ؟
قال : هو ذاك !
قلت : ثكلتكَ أمُّك يا رجل ! ( وهل يكبُّ الناسَ على وجوههم في دَرَكِ الإسفاف وحضيض الانحطاط إلا حداثةُ ألسنتِهِم ) ؟!
غالبُ هؤلاء أناسٌ يُسوِّقون ( لِتُرَّهَات البَسَابِس ) (1) ! ولو فهمتَ ما يقولون - حقاً - لحكمتُ على لغتك بالمرض وعقلِك بالجنون ، ولَمَا كنتَ عربياً أصلاً ؛ بل هم أنفسهم لا يَعُون ما يلفِظون ! ولا يدركون ما يقولون !! وبعضهم ( أكذبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج ) ! ( أي : أكذبُ الأحياء والأموات ) .. !
همهمة وتمتمة ، وحروف مبعثرة ، لا لبَّ ولا ثمرة ! شعرهم المزعوم ليس له هدف ولا معنىً .. أناسُ عقَّدوا أنفُسَهُم ويريدون تعقيد غيرهم !
بل إنَّ واحدَهم يريد أن يعكس لنفسه صورة للناس بأنه ذكيٌّ كيِّسٌ فطنٌ ، واسع الخيال ، بعيد الأفق ، عظيم المدارك ، دليل المسالك ، مرهفُ الحس ، رقيقُ الهمس ، طويل البَاع ، مفتولُ الذراع ... وهو عكسُ ذلك تماماً .. بل إن بعضَهُم يعاني مرضاً نفسيّاً ..
( فالغُمُوضُ والإبْهَامُ والرَّمْز ) ركنٌ من أركان بيتهم العنكبوتي المُظلِّلِ لأدبهم وشعرهم المَوبُوء .. ( وإنَّ أوهنَ البُيُوت لبيتُ العنكبوتِ لو كانُوا يعلمُون ) ! .
أوَلَمْ يقل النبي عليه السلام : (( إنَّ مِنَ الشِّعْر لَحِكْمَة )) ؟ أين هي الحكمة التي هي ( ضالَّة المؤمن ) من ترَّهاتهم ؟! فالحكمة لا تجنى من حَنظل ألأفكَار ، ومَرَاتِع الوَبَاء ؛ كما أنَّه ( لا يُجْنَى من الشَّوكِ العِنَب ) !
ألم يقل الشاعر :
إذا الشِّعرُ لم يهززكَ عند سَمَاعِهِ ** فَلَيسَ جَديراً أن يُقالَ لَهُ شِعْرُ ؟!
بالله عليك .. عند قراءتك ( لطلاسِمِهِم ) هل تحسُّ باهتزاز في بدنك ، واقشعرار في جلدك ، أم أنك تحس بمغصٍ في بطنك ، واشمئزاز في قلبك ، وغثيان في كبدك ( حومة كبد ) ! ، وشعور يكاد أن يقتلعَ الذوقَ السليم والفطرة السويَّة في طبعك ؟!!
أم هل تستطيع أنْ تستشهدَ بشعرهم في المواقف والمحافل ؟! قطعاً لا . إلا إذا أردتَ أن يضحك عليك الجُمهور ؛ كما ضحكوا على ( بوش ) الابن ، عندما طافته ( كندرة ) ( الزيدي ) وهي تمشي ألفَ كيل في الساعة !!
باختصار مفيد – مع هدفهم الأسمى نبذ القيم والمَبَادئ - ( هم يريدون هدمَ اللغة العربية ) ..
ثم عرضتُ عليه فكرة ، فقلتُ له :
ما رأيك أن أجعلك من قارئ لترَُّهَاتِهِم وخُزَعْبَلاتهم إلى شاعرٍ ( نابِغة ) من نوابغهم ؛ بل أفضلَ منهم ؟!
فلم يصدق !
قلتُ : سَبَقَ لي أن قرأتُ بعض الخُطُوات في ذلك ، وسأضيف إليها بعض الشيء ..
خذ هذه الورقة والقلم . واكتب ما أمليه عليك .
** أولاً .. هاتِ أيَّ شيءٍ يخطر في بالك وتستحي منه قال : كيف ؟! قلت : يعني أعطني أيَّ فكرة تافهة ، أو أي خاطِرة حمقاء ! - مع احترامي لك - أو تخيل أي شيء : ( بشر ، جن ، حيوان ، حشرات) على أي صورة شئت ، أو ركَّبَهَا خيالُك ، وأخبرني بها ..
يعني على سبيل المثال : حَلَزُونة متوَحمة بكَبْدة قِعس .. ! ، ( حَاشي ) له خرطوم فيل وجناح وزَّة .. ! قِردة ملكة جمال الزَّواحف والبَشَر ... ! خُنفَسَاء بيضَاء لها جَدَايل ( فوشيَّة )... !!
أيَّ شيء تافه ، ليس له وجود في عالم الكونيَّات ... !
المُهِمُّ .. اتفقنا - بعد خَيَالاتٍ وتصوُّراتٍ كدَّرتْ علينا صفوَ أفكارنا حتى شكَكَنا في عُقُولِنا !! - اتفقنا على : (حَلَزُونَة متوحّمَة بكبدَة قِعْس) !! .
ثم قلتُ له:
** اكتب :
جاءت حلزونة مهيضة الجناح وقد توحمت بكبدة قعس أسود
أسود أسود أسود .. فسقطت في حفرة !
بكت
بكت
بكت
( أخي القارئ ! كلمة ( بَكَت) من البكاء ، ويصح عندهم أن تفسَّر ( ببكت دُخان ) !!
** والآن احذف الشخصيات ولخبط الجملة لتكون ( حِيْصَ بِيْصَ ) (2) وابنها للمجهول وأضف كلمة واحدة عربية موجودة في القاموس ، ثم أضف كلمةً أو كلمتين أخرَيَيْن ليس لهما أصلٌ في قاموس البشرية قاطبةً ( حتى لا تفهم أنتَ ولا حتى الجن الأزرق ما الذي كتبتَ ) ! . واجعلها بشكل عَمُودي ؛ يعني ستصبح هكذا :
جيئت جناح المهيضة
قعس توحمت
حفرة سقطت قونس .. ( قونس : كلمة في القاموس ).
بكت
بكت
بكت ..
خيوط الشمس قصعبيص ..
قصعبيص
قصعبيص
قصعبيص ..
( أخي القارئ لا تتعب نفسك في البحث عن معنى كلمة ( قَصْعَبِيْص) فهي غير موجودة في أي قاموس من قواميس عالم الجن وعالم الإنس ، ولا فوق الأرض ولا باطنها ، ولا حتى في أيِّ كوكبٍ داخلِ أو خارجِ مجرَّة دَرْبِ التبَّانة ) !!
** وفي الأخير .. أهم رُكنٍ عندهم وهي : ( الإيحاءات الجنسية ) .
فهم يدندنون حول الحَسْنَاء والصَّهْبَاء ! ( الصَّهْبَاء : أي الخَمْر ) .
وحاول أن تجمِّلَ ( الطَّلْسَم ) بكلمات مسجوعة ( كسَجْع الكُهَّان ) ، ثم انثر الحركات على النصِّ ( الخُزَعْبَلِيّ الطلْسَمِيّ ) نثراً ( كما نُثِرَتْ فوق العَروس الدَّراهمُ ) يعني : الضَّمة مكان الكسرة والكسرة مكان الفتحَة والشدَّة مكان السكون ، ودعها ( شَذَرَ مَذَرَ ) ؛ فهم يُجَمِّلون طلاسمَهم - أحياناً - بالحَركات المنثورة في غير مَحلِّها :
فلَو لَبِسَ الحِمَارُ ثِيَابَ خَزِّ ** لَقَالَ الناسُ يا لَكَ مِنْ حِمَارِ ِ!!
فستصبح في النِّهاية هكذا :
جًيَئّتٍ جَنٍاِحّ الٍمِهْيْضّةٍ ًمًَّجِرٍدَةً ُاٌلٌلٌبًاَسِّ !
قَعًسٍ ِتٍوِحْمٍتِ ٍفَتًضّاجّعٍاِ !
فٍاِنْسكِبَ ًاُلٌماُءُ فيٍٍُِ ٌعمٌق الشٌرٍوِرٍّ ..
بًقبٍرًِ َالَزَهّوِرٍ !
وّارّتٍجٍفَ الٍزمهْرْيَرّ باًلزُبَرجُدِ وُاّلًَلُوٌتْسّ ..
فٍنِبضً الّخًوُرٍ ِعْلّىً دُنٌيٌا َاُلشرٌورْ !
هّشِمَ مَفًاُتٌنهّا !!
مَسًٌكُينّة !
مَسٍكْيّنًة !!
يًضُحك ُعلّىَ صّرُخٌاتْ اللِهًبَ ..
ويّصُبً ْشعّاعً الّبًرقْ عَلّى حِامُضّ الّقْصًبَ !!
فّاَنًتٍفِضُ َاًلَحُصٌبْ !!
فانٍتِفْضُ الٌحّصٍُبٌ !!
فِشّرْبّت سّكًرِ الّقْرٌنّفٍل ..!
آآآآآآهّ يا فَاٌنوّساًُ أضاَءٍ ِفي وِحُل اٌلسُمٌاءّ !
فّاشْتُكًتٍ الًحَرٌبِاٍءُ !
حّفَرًةّ سًقٌطَتٍ قْوِنٌسً !!
بكَّتٍ
بٌكْتّ
خيَوِطٍ الشُمٌسٍ قْصَعْبُيٌصً
قَصْعٍبًيُصَ
قَصُعًبٌيٍصْ
قّصِعّبًيــٍــِـُــــُــٌــّـِـٍــْــًـصَ !!
آآآآآآآآآآهً !
آآآآآآآآآآآآآآآهُ !!
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ّ!!!
والآن ، يا صديقي ! انشر ( قَصِيدَة القَصْعَبِيْص ) في أي منتدىً أدبيٍّ تشاء ، ولك ( حاشٍ بدون خرطوم ولا جناح وزَّة ) إن لم ينصَبّ عليك ثَجَّاجُ الردود من مُعصِراتِ الزُّوَّار ومِن المعجبين والمعجبات .. !
أعانكَ اللهُ على الردِّ عليهم .. !!
(1) ترَّهات البسابس : الأباطيل .
(2) حِيْصَ بِيْصَ ، أو حَيْصَ بَيْصَ ، أو حَيْصِ بَيْصِ ، أو حاصِ باصِ : هو الاختلاط في أمر لا مَخرَج منه .