عبدالله الغنيم
08-24-2010, 02:50AM
أَيْضَاً ... خَوَاطِرُ مُتَنَاثِرَة
• ما أعذبَ القرآنَ !
يَشفي الجَنان ، ويشوِّقُ للجِنان ، ويبهرُ الأعيَانَ ، ويُوثِقُ النَّفسَ بالعِنان ويوصلُها للعَنان(1) . سلبَ ( الوليدَ بنَ المغيرة ) لبَّه ، ساحلُه ليس غِبّه ، فتاه فكرُه ، وانقلبَ سحرُه ، فقرُب من الحقّ (والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع ) ؛ لِيَسعدَ وينتفِع ..
أدركِ الركبَ أبا خالد ! فابنُك الليثُ صامِد ، وللهَيجاء قائد .. لكنَّ هذا اسمُه الوَلِيْد ( وما أشبهَ بعض أصحابِ الأسماء ببعض ) ! ، وعقلُه عقلُ الوُلَيْد ؛ فلم يستشر أبا عِلم ، بل استشارَ ( أبا جَهْل ) ! (والطُّيُورُ على أشكَالِهَا تَقع ) ! .
ففكَّرَ وقدَّر ، فقُتِل كيف قدَّر ! ثم قتل كيف قدر ! ثم نظر ، ثم عبسَ وبسر ، ثم أدبرَ واستكبر ، فقال إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر ! إنْ هذا إلا قولُ البشر ! ..
لا بأس .. ( سَتَصْلاكَ سَقَر ) !
إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى *** فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ !
***********************************
• وما أحلمَ الرَّسولَ !
زكِيَّ الأصُول ، عريقَ الحسَبِ ، شريفَ النَّسَب ( أنا سيِّدُ ولدِ آدم ولا فَخر )
يَطْوي الأرض ويطأ الصَّخر ، متحمِّلاً قطعةَ عذابِ السفر .
فارق المَدَر ، وجاوز الوَبَر ، أشعثَ أغبر ، يؤمِّلُ النَّفْسَ ويُطلِقُ النَّفَسَ ..
إلى أين أبا القاسم ؟ إلى الطائف ذاتِ اللطائف ! إحدى القريتين ، بها أحدُ الرجلين ، بمكة الوليد السالفُ ذكرُه ، الملتهبُ قبرُه ، وبالطائف (عروةُ بنُ مسعود ) ،(2) ( شبيهُ المسيح ) ، ابنُه أبو المَلِيْح ..
فحصل ما بَهَر ، بفكرة من كَفَر ، مِمَّا عُلِمَ واشتَهَر ...
ولكن .. أيُطرد الضَّيف ؟! أتُدمى عَقِبُه ؟! أيسفَّهُ عقلا ؟! أيحمَّلُ ثِقْلا ؟!
ويتلاشى نورُ الأمل قليلاً ، وتقترب حَنَادِسُ العُسر بجُنُودِها ...
وبعدَ ذلك .. يأتي فجرُ اليُسر ، ( ولن يغلبَ عُسرٌ يُسرين ) ومعه الفرج ؛ جِبريلُ جِبريل ، وما أدراك ما جبريل ؟!
( شديدُ القُوَى ) بأمر الكبير العظيم ، نزل للهادي الدليل ، معه ملكُ الجبال .. اطلبْ ما بدالك ، تجدْ مَنَالَك ، ( إن شئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبَين ) ؟ على الكافر واللعين .. فتكون الإجابة بعد هذا كلِّه بـــ ( لا ) !
( أليست رسالةً تعلمُنا الحِلم ) ؟!
تَعفو إِذا جَهِلوا بِحِلمِكَ عَنهُمُ *** وَتُنيلُ إِن طَلَبوا النَوالَ فَتُجزِلُ !
***********************************
• في أحدِ المقاهِي .. عن الشَّرِّ لاهِي ، ( أحدِ المقاهي المحترمة ، لا عزفٌ ولا خَمْرَة ) ..
فجاء ثلاثةُ شباب ، لا ( شمغٌ ) ولا ثياب ، شعورٌ منتفِشَة ، كأنَّها القشَّة ! ، تَسَرولُوا سَرَاويلَ ( كلمةُ سَرَاويْل تطلقُ على المُفردِ والجَمْع ) نازلةً عن السَّوءَة ، ليسَ لها من اسمِهَا نَصِيْب !
فسمِعتُ منهم ما عَاب وخَاب ؛ همزٌ ولمزٌ ، في الرائح والسائح ، والمقيم والماشي ، ولم يسلم منهم أحدٌ سِواي ! فقلت : (اللهُمَّ حَوَالَينَا ولا عَلَينا ، اللهُمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ وبُطُونِ الأوديةِ ومَنَابِتِ الشَّجَر) !! ..
حتى أرسلَ الله لنا غُلاماً ما نافَ عن العاشرة ، برفقتهِ أختُه ، فقال له أحدُهُم ( أظنُّهُ كبيرُهم الذِي علَّمَهُم ...) : يا ولد ! أنت جميلٌ وأختك جميلة ! صحيحٌ أنكما نُور مع نور! ( يقصِدُ نُورٌ على نُورٍ ) . فبادَرَهُ الغلامُ قائلاً : أما أنتم مع صُوركِم هذِهِ ( ظُلُمَاتٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعْضٍ ) فبُهتوا ، وانصرَفوا .. ( وثَلَجَ به صَدري وبَلَج ، بعد ما حَرَّ وحَرَج ) ، وضحكتُ حتى كاد الدمعُ أن يشرقَ بي ! .
إذا رُمتَ أن تَحْيَا سَلِيماً مِن الـرَّدَى *** ودينُك مـوفورٌ وعِرضُكَ صيِّـــن ُ
فلا ينطِقَنْ منكَ اللِّسانُ بسَــــــوْءَةٍ *** فكلُّكَ سَوءاتٌ ولِلنـاسِ أعْـيُـــنُ !
***********************************
• إنَّما مَثَلُ القِرَاءَةِ .. كَمَاءٍ يُفَرَّغ فِي قِرْبَة .. ولا بدَّ للقِربةِ مِن وِكَاء ( وهُوَ ربَاطُهَا ) وإلا انسكبَ ماؤُها واندَثَر ..
و( وِكَاءُ القِرَاءَةِ الكِتَابَة ) ..
***********************************
• تحتَ مِظلَّةِ ( مَا بَالُ أقْوَام )
مَا بَالُ أقْوَامٍ سَقطوا في فتنة ذمِّ البَشَر ، وأُشْرِبُوا في قلوبهم حبَّ الغَجَر ؟!
فبلاهم الله بالنَّكدِ والكَدَر ، والضِّيق والضَّنْك ، والتوتر والحَسْرَة ، والانعزال والانفِصَال ، والهمِّ والغمّ ...( ومَن راقَبَ النَّاسَ ماتَ هَمّاً ) ! .
وذمُّوا أهلَهم بعدم تربيتهم وتعليمهم – بجَهلهم - وهم لا يعلمون ! فكلامهم كِذبٌ وتناقُض ، وبُهتانٌ وتباغُض ، وفِسقٌ وثَرثَرَة ، وحروفٌ مبعثرة ، لا لبّ ولا ثمرَة ! . فهامُوا في شِعاب الشُّذوذ ، وأوغلوا في أوديةِ الجَهل ..
( وإذا قيلَ لهم لا تُفسدوا في الأرضِ ، قَالُوا إنَّما نحنُ مُصلِحون ) !
ليتهم يعلمون أنَّ كلامَهم مثل الزَّبَد ؛ يذهبُ جفاءً ، وأما ما ينفع الناسَ فيمكثُ في الأرض ! ..
فتجمَّعُوا وتشرذمُوا وتهافتُوا ( تَهَافُتَ الذُّبَابِ عَلَى الشَّرَاب ) ..
وكلٌ يميلُ إلى شكلِهِ *** كَمَيْلِ الخَنَافِسِ للعَقْرَبِ !
والحلُّ بسيط لهؤلاء من ربِّ السَّمَاء ؛ (( فاسألوا أهلَ الذِّكر إن كنتم لا تعلمون )) .
وبعد ذلك (( وما كان لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللهُ ورسولُه أمراً أن يكونَ لهمُ الخِيَرَةُ من أمرهِم ومن يعص اللهَ ورسولَه فقد ضلَّ ضَلالا مُبينا ))
وانتهتِ المُشكلة ! ..
لكنَّ بعضَ النَّاس ( لا يخرجُ من جهالتِه حتى يخرجَ القمرُ من هَالَتِه ) !
وبعضُ القلوبِ عندَ هُطُول غيثِ النَّصيحةِ ، مثلُ البلدِ الطَّيِّب ؛ يخرج نباتُهُ بإذن ربِّه ، والذي خَبُثَ لا يخرجُ إلا نَكِدَا ! ..
كدعواكِ كلٌ يدَّعِي صِحَّةَ العَـقْــلِ *** ومَنْ ذا الذِي يَدْرِي بِمَا فِيْهِ مِنْ جَهْلِ ؟!
***********************************
• جرى الشيطانُ الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم عند بعض الإخوان .. ( ومَنْ سَلِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْم ) ؟!
فنظر إلى بعض ( الصُّورِ الرَّمْزيَّة ) .. فخَطَر في خاطِري ما خَطَر : أسألُ اللهَ ربي ألا يزيدَ بنظَرِهِ ذنوبَ غيره .. وألا يحمِلَ أولئكَ أثقالَهُم وأثقالاً مع أثقالِهِم ..
أَأَذكُرُ حاجَتي أَم قَد كَفاني *** حَياؤُك إِنَّ شيمَتَك الحَياءُ !
***********************************
• يا إلهي أيتُها القلعَة !
كانت في نِعمة ، وكان يأتيها رزقُها رغداً من كلِّ مكان ، فأبصرَ بعضُ أهلِها ( بُومَتَيْن وبعضَ الغِربَان ) ، فقامَ بعضُ المنتسبين لهم ، فقرَّبَ لهم طُعْمَاً ولحمَ مَيْتَة !
فتهافتوا تهافتَ الذُّبابِ على الشَّراب ، والبَعُوضِ على الماءِ الآسِن ! .
ثُمَّتَ أبصر أهلُهَا سحابةً سوداءَ مقبلة فاستبشروا ، وقالوا هذا ( عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) ! . فتأملتُ وتفكرتُ .. فقلتُ أخشى أن يكون ( هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُم بِه ؛ ريحٌ فيها عَذابٌ أليمٌ ، تُدَمِّرُ كلَّ شَيءٍ بأمر الشَّيْطَان ) ..
يا قَوْم ! إنِّي لكم نَاصِح ..
( يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون ) !
أرَى تَحْتَ الرَّمَادِ ومِيضَ جَمْرٍ *** ويُـوشِكُ أنْ يَـكُـونَ لَهُ ضِـرامُ
فإنّ الـنـَّار بـالعُـودَيـنِ تـُـذْكَـى *** وإنَّ الحَـرْبَ مَـبْـدَؤُهـَـا كـَــلامُ
فإنْ لَمْ يُـطْـفِـهَـا عُـقَـلاءُ قـَــوْمٍ *** يَكُونُ وَقُـودُهَـا جُـثََـثٌ وَهَــامُ
فإنْ يَـقَـظُـوا فَـذاكَ بَـقَـاءُ مُلْكٍ *** وإنْ رَقَـــدُوا فـَــــإنِّـــي لا أُلامُ !
***********************************
• يا لكِ من ورقة مكسُورة !
صفراءَ فاقع لونُها ، تسوءُ الناظِرين ! .. في شجرة صغيرة ، ليس لها - بالأحرى - جُذُور ..
فجاءَها ( أحدُ الأغنياء ) فسَقاها بمائه .. وبمعجزة انتعشت بعضُ الأوراق ! وليته لم يَسْقِهَا ؛ فاح من بعض أوراقها ريحٌ منتنة ! إحدى الوَرَقاتِ ريحُها دخلَ معظمَ البُيُوت ( والعاقلُ من أوصدَ بابَ داره دُونَهَا ) ..
وأما هذه ( الورقة الصَّفراءُ المُنتِنة ) فأصبحت في مهبِّ الرِّيح .. تعصِفُ بها رياحُ الكَون ..
وسيأتي يومٌ - لا محالة - يُقطع عنها المَاءُ ، فتدركُ أنَّ جُذورَها ضَعِيفَةٌ ، لا تتحمَّل .. أو ( ستَهوِي بِهَا الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيق ) !
ومَا أحمقَ الشَّاةَ استغرَّتْ بظِلفِهَا *** إذا حَــسِـبـتْ أنّ الـشِّـيـَـاهَ ذِئَـــــــابُ !
***********************************
• خرجَ ليبتاعَ ( أي ليشْتَري ) بعضَ الأغراضِ لأهلِه ومن بينها (فُرشةُ أسنَان ) وفي رأسِهِ أفكَارٌ كبارٌ عرَاض ، فنسيَ الأغرَاض !
وفجأة رأي تجمُّعاً غريباً ! حَشْدٌ من الشَّبابِ شكَّلُوا دائرةً ، وسمِع أحدَهم يقولُ : مَا أجمَلَه !
فأخذَهُ الفُضُولُ ( والعينُ تعشَقُ كُلَّ جَمِيْلٍ ) !
فانطلقَ إليهم ، - وقد نسيَ تماماً الأغراضَ - فدَحَمَهم بمَنكِبَيْهِ ، وشقَّ الصفوف .. حتى خُيِّلَ إليه أنه ( صلاحُ الدِّينِ الأيُّوبِي ) !
فلما تقدمَ رأي أمراً عجباً !
رأى - أعزَّكمُ اللهُ - كَلباً صغيراً ! ربطه صاحبُهُ بسِلسِلَةٍ ، فاتِحَاً فَاه .. فأبصرَ صاحبُنا أسنانَه ، وسُرعانَ ما تذكَّرَ فُرشَةَ الأسنَان !! فتذكَّرَ معَهَا أغراضَهُ كلَّها .. فَجَالَ في خَاطِرِهِ :
( ذكَّرَنِي فُوكِ حِمَارَي أهْلِي ) !!
***********************************
• مِسكُ الخِتَام .. أيُّهَا الأنام ! دُونَكم شرحُ المَثَلِ السَّابِق :
( ذَكَّرَنِي فُوكِ حِمَارَي أهلِي )
أصلُهُ أنَّ رجلاً خرجَ يطلبُ حِمَارَيْنِ ضَلا لَه ، فرأى امرأةً مُنتقِبةً ، فأعجبتْهُ ، حتَّى نسيَ الحِمارَين ! فلم يزلْ يطلبُ إليها حتى سَفَرَتْ ( 3) لَه ، فإذا هي فَوْهَاءُ ! (4) ، فحينَ رأى أسنَانَها ذَكَرَ الحِمَارَين ! فقال : ( ذَكَّرنِي فُوكِ حِمَارَي أهْلِي ) وأنشَأَ يقُولُ :
ليتَ النِّقابَ على النِّسَاءِ مُحَرَّمٌ *** كّـيْـلا تـَغُـرَّ قـَبِـيْـحَـةٌ إنْـسَـانـَــا !!
*********************************************
(1) العَنان : السَّحاب .
(2) ( قولُ قَتَادَة ) .
(3) سَفَرَت المرأة : كشَفَت عن وجهِهِا ، فهي سَافِرٌ .
(4) فوهاء : الفَوَه : سعة الفم ، مع خروج الثنايا العليا وطولِها .
• ما أعذبَ القرآنَ !
يَشفي الجَنان ، ويشوِّقُ للجِنان ، ويبهرُ الأعيَانَ ، ويُوثِقُ النَّفسَ بالعِنان ويوصلُها للعَنان(1) . سلبَ ( الوليدَ بنَ المغيرة ) لبَّه ، ساحلُه ليس غِبّه ، فتاه فكرُه ، وانقلبَ سحرُه ، فقرُب من الحقّ (والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع ) ؛ لِيَسعدَ وينتفِع ..
أدركِ الركبَ أبا خالد ! فابنُك الليثُ صامِد ، وللهَيجاء قائد .. لكنَّ هذا اسمُه الوَلِيْد ( وما أشبهَ بعض أصحابِ الأسماء ببعض ) ! ، وعقلُه عقلُ الوُلَيْد ؛ فلم يستشر أبا عِلم ، بل استشارَ ( أبا جَهْل ) ! (والطُّيُورُ على أشكَالِهَا تَقع ) ! .
ففكَّرَ وقدَّر ، فقُتِل كيف قدَّر ! ثم قتل كيف قدر ! ثم نظر ، ثم عبسَ وبسر ، ثم أدبرَ واستكبر ، فقال إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر ! إنْ هذا إلا قولُ البشر ! ..
لا بأس .. ( سَتَصْلاكَ سَقَر ) !
إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى *** فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ !
***********************************
• وما أحلمَ الرَّسولَ !
زكِيَّ الأصُول ، عريقَ الحسَبِ ، شريفَ النَّسَب ( أنا سيِّدُ ولدِ آدم ولا فَخر )
يَطْوي الأرض ويطأ الصَّخر ، متحمِّلاً قطعةَ عذابِ السفر .
فارق المَدَر ، وجاوز الوَبَر ، أشعثَ أغبر ، يؤمِّلُ النَّفْسَ ويُطلِقُ النَّفَسَ ..
إلى أين أبا القاسم ؟ إلى الطائف ذاتِ اللطائف ! إحدى القريتين ، بها أحدُ الرجلين ، بمكة الوليد السالفُ ذكرُه ، الملتهبُ قبرُه ، وبالطائف (عروةُ بنُ مسعود ) ،(2) ( شبيهُ المسيح ) ، ابنُه أبو المَلِيْح ..
فحصل ما بَهَر ، بفكرة من كَفَر ، مِمَّا عُلِمَ واشتَهَر ...
ولكن .. أيُطرد الضَّيف ؟! أتُدمى عَقِبُه ؟! أيسفَّهُ عقلا ؟! أيحمَّلُ ثِقْلا ؟!
ويتلاشى نورُ الأمل قليلاً ، وتقترب حَنَادِسُ العُسر بجُنُودِها ...
وبعدَ ذلك .. يأتي فجرُ اليُسر ، ( ولن يغلبَ عُسرٌ يُسرين ) ومعه الفرج ؛ جِبريلُ جِبريل ، وما أدراك ما جبريل ؟!
( شديدُ القُوَى ) بأمر الكبير العظيم ، نزل للهادي الدليل ، معه ملكُ الجبال .. اطلبْ ما بدالك ، تجدْ مَنَالَك ، ( إن شئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبَين ) ؟ على الكافر واللعين .. فتكون الإجابة بعد هذا كلِّه بـــ ( لا ) !
( أليست رسالةً تعلمُنا الحِلم ) ؟!
تَعفو إِذا جَهِلوا بِحِلمِكَ عَنهُمُ *** وَتُنيلُ إِن طَلَبوا النَوالَ فَتُجزِلُ !
***********************************
• في أحدِ المقاهِي .. عن الشَّرِّ لاهِي ، ( أحدِ المقاهي المحترمة ، لا عزفٌ ولا خَمْرَة ) ..
فجاء ثلاثةُ شباب ، لا ( شمغٌ ) ولا ثياب ، شعورٌ منتفِشَة ، كأنَّها القشَّة ! ، تَسَرولُوا سَرَاويلَ ( كلمةُ سَرَاويْل تطلقُ على المُفردِ والجَمْع ) نازلةً عن السَّوءَة ، ليسَ لها من اسمِهَا نَصِيْب !
فسمِعتُ منهم ما عَاب وخَاب ؛ همزٌ ولمزٌ ، في الرائح والسائح ، والمقيم والماشي ، ولم يسلم منهم أحدٌ سِواي ! فقلت : (اللهُمَّ حَوَالَينَا ولا عَلَينا ، اللهُمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ وبُطُونِ الأوديةِ ومَنَابِتِ الشَّجَر) !! ..
حتى أرسلَ الله لنا غُلاماً ما نافَ عن العاشرة ، برفقتهِ أختُه ، فقال له أحدُهُم ( أظنُّهُ كبيرُهم الذِي علَّمَهُم ...) : يا ولد ! أنت جميلٌ وأختك جميلة ! صحيحٌ أنكما نُور مع نور! ( يقصِدُ نُورٌ على نُورٍ ) . فبادَرَهُ الغلامُ قائلاً : أما أنتم مع صُوركِم هذِهِ ( ظُلُمَاتٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعْضٍ ) فبُهتوا ، وانصرَفوا .. ( وثَلَجَ به صَدري وبَلَج ، بعد ما حَرَّ وحَرَج ) ، وضحكتُ حتى كاد الدمعُ أن يشرقَ بي ! .
إذا رُمتَ أن تَحْيَا سَلِيماً مِن الـرَّدَى *** ودينُك مـوفورٌ وعِرضُكَ صيِّـــن ُ
فلا ينطِقَنْ منكَ اللِّسانُ بسَــــــوْءَةٍ *** فكلُّكَ سَوءاتٌ ولِلنـاسِ أعْـيُـــنُ !
***********************************
• إنَّما مَثَلُ القِرَاءَةِ .. كَمَاءٍ يُفَرَّغ فِي قِرْبَة .. ولا بدَّ للقِربةِ مِن وِكَاء ( وهُوَ ربَاطُهَا ) وإلا انسكبَ ماؤُها واندَثَر ..
و( وِكَاءُ القِرَاءَةِ الكِتَابَة ) ..
***********************************
• تحتَ مِظلَّةِ ( مَا بَالُ أقْوَام )
مَا بَالُ أقْوَامٍ سَقطوا في فتنة ذمِّ البَشَر ، وأُشْرِبُوا في قلوبهم حبَّ الغَجَر ؟!
فبلاهم الله بالنَّكدِ والكَدَر ، والضِّيق والضَّنْك ، والتوتر والحَسْرَة ، والانعزال والانفِصَال ، والهمِّ والغمّ ...( ومَن راقَبَ النَّاسَ ماتَ هَمّاً ) ! .
وذمُّوا أهلَهم بعدم تربيتهم وتعليمهم – بجَهلهم - وهم لا يعلمون ! فكلامهم كِذبٌ وتناقُض ، وبُهتانٌ وتباغُض ، وفِسقٌ وثَرثَرَة ، وحروفٌ مبعثرة ، لا لبّ ولا ثمرَة ! . فهامُوا في شِعاب الشُّذوذ ، وأوغلوا في أوديةِ الجَهل ..
( وإذا قيلَ لهم لا تُفسدوا في الأرضِ ، قَالُوا إنَّما نحنُ مُصلِحون ) !
ليتهم يعلمون أنَّ كلامَهم مثل الزَّبَد ؛ يذهبُ جفاءً ، وأما ما ينفع الناسَ فيمكثُ في الأرض ! ..
فتجمَّعُوا وتشرذمُوا وتهافتُوا ( تَهَافُتَ الذُّبَابِ عَلَى الشَّرَاب ) ..
وكلٌ يميلُ إلى شكلِهِ *** كَمَيْلِ الخَنَافِسِ للعَقْرَبِ !
والحلُّ بسيط لهؤلاء من ربِّ السَّمَاء ؛ (( فاسألوا أهلَ الذِّكر إن كنتم لا تعلمون )) .
وبعد ذلك (( وما كان لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللهُ ورسولُه أمراً أن يكونَ لهمُ الخِيَرَةُ من أمرهِم ومن يعص اللهَ ورسولَه فقد ضلَّ ضَلالا مُبينا ))
وانتهتِ المُشكلة ! ..
لكنَّ بعضَ النَّاس ( لا يخرجُ من جهالتِه حتى يخرجَ القمرُ من هَالَتِه ) !
وبعضُ القلوبِ عندَ هُطُول غيثِ النَّصيحةِ ، مثلُ البلدِ الطَّيِّب ؛ يخرج نباتُهُ بإذن ربِّه ، والذي خَبُثَ لا يخرجُ إلا نَكِدَا ! ..
كدعواكِ كلٌ يدَّعِي صِحَّةَ العَـقْــلِ *** ومَنْ ذا الذِي يَدْرِي بِمَا فِيْهِ مِنْ جَهْلِ ؟!
***********************************
• جرى الشيطانُ الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم عند بعض الإخوان .. ( ومَنْ سَلِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْم ) ؟!
فنظر إلى بعض ( الصُّورِ الرَّمْزيَّة ) .. فخَطَر في خاطِري ما خَطَر : أسألُ اللهَ ربي ألا يزيدَ بنظَرِهِ ذنوبَ غيره .. وألا يحمِلَ أولئكَ أثقالَهُم وأثقالاً مع أثقالِهِم ..
أَأَذكُرُ حاجَتي أَم قَد كَفاني *** حَياؤُك إِنَّ شيمَتَك الحَياءُ !
***********************************
• يا إلهي أيتُها القلعَة !
كانت في نِعمة ، وكان يأتيها رزقُها رغداً من كلِّ مكان ، فأبصرَ بعضُ أهلِها ( بُومَتَيْن وبعضَ الغِربَان ) ، فقامَ بعضُ المنتسبين لهم ، فقرَّبَ لهم طُعْمَاً ولحمَ مَيْتَة !
فتهافتوا تهافتَ الذُّبابِ على الشَّراب ، والبَعُوضِ على الماءِ الآسِن ! .
ثُمَّتَ أبصر أهلُهَا سحابةً سوداءَ مقبلة فاستبشروا ، وقالوا هذا ( عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) ! . فتأملتُ وتفكرتُ .. فقلتُ أخشى أن يكون ( هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُم بِه ؛ ريحٌ فيها عَذابٌ أليمٌ ، تُدَمِّرُ كلَّ شَيءٍ بأمر الشَّيْطَان ) ..
يا قَوْم ! إنِّي لكم نَاصِح ..
( يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون ) !
أرَى تَحْتَ الرَّمَادِ ومِيضَ جَمْرٍ *** ويُـوشِكُ أنْ يَـكُـونَ لَهُ ضِـرامُ
فإنّ الـنـَّار بـالعُـودَيـنِ تـُـذْكَـى *** وإنَّ الحَـرْبَ مَـبْـدَؤُهـَـا كـَــلامُ
فإنْ لَمْ يُـطْـفِـهَـا عُـقَـلاءُ قـَــوْمٍ *** يَكُونُ وَقُـودُهَـا جُـثََـثٌ وَهَــامُ
فإنْ يَـقَـظُـوا فَـذاكَ بَـقَـاءُ مُلْكٍ *** وإنْ رَقَـــدُوا فـَــــإنِّـــي لا أُلامُ !
***********************************
• يا لكِ من ورقة مكسُورة !
صفراءَ فاقع لونُها ، تسوءُ الناظِرين ! .. في شجرة صغيرة ، ليس لها - بالأحرى - جُذُور ..
فجاءَها ( أحدُ الأغنياء ) فسَقاها بمائه .. وبمعجزة انتعشت بعضُ الأوراق ! وليته لم يَسْقِهَا ؛ فاح من بعض أوراقها ريحٌ منتنة ! إحدى الوَرَقاتِ ريحُها دخلَ معظمَ البُيُوت ( والعاقلُ من أوصدَ بابَ داره دُونَهَا ) ..
وأما هذه ( الورقة الصَّفراءُ المُنتِنة ) فأصبحت في مهبِّ الرِّيح .. تعصِفُ بها رياحُ الكَون ..
وسيأتي يومٌ - لا محالة - يُقطع عنها المَاءُ ، فتدركُ أنَّ جُذورَها ضَعِيفَةٌ ، لا تتحمَّل .. أو ( ستَهوِي بِهَا الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيق ) !
ومَا أحمقَ الشَّاةَ استغرَّتْ بظِلفِهَا *** إذا حَــسِـبـتْ أنّ الـشِّـيـَـاهَ ذِئَـــــــابُ !
***********************************
• خرجَ ليبتاعَ ( أي ليشْتَري ) بعضَ الأغراضِ لأهلِه ومن بينها (فُرشةُ أسنَان ) وفي رأسِهِ أفكَارٌ كبارٌ عرَاض ، فنسيَ الأغرَاض !
وفجأة رأي تجمُّعاً غريباً ! حَشْدٌ من الشَّبابِ شكَّلُوا دائرةً ، وسمِع أحدَهم يقولُ : مَا أجمَلَه !
فأخذَهُ الفُضُولُ ( والعينُ تعشَقُ كُلَّ جَمِيْلٍ ) !
فانطلقَ إليهم ، - وقد نسيَ تماماً الأغراضَ - فدَحَمَهم بمَنكِبَيْهِ ، وشقَّ الصفوف .. حتى خُيِّلَ إليه أنه ( صلاحُ الدِّينِ الأيُّوبِي ) !
فلما تقدمَ رأي أمراً عجباً !
رأى - أعزَّكمُ اللهُ - كَلباً صغيراً ! ربطه صاحبُهُ بسِلسِلَةٍ ، فاتِحَاً فَاه .. فأبصرَ صاحبُنا أسنانَه ، وسُرعانَ ما تذكَّرَ فُرشَةَ الأسنَان !! فتذكَّرَ معَهَا أغراضَهُ كلَّها .. فَجَالَ في خَاطِرِهِ :
( ذكَّرَنِي فُوكِ حِمَارَي أهْلِي ) !!
***********************************
• مِسكُ الخِتَام .. أيُّهَا الأنام ! دُونَكم شرحُ المَثَلِ السَّابِق :
( ذَكَّرَنِي فُوكِ حِمَارَي أهلِي )
أصلُهُ أنَّ رجلاً خرجَ يطلبُ حِمَارَيْنِ ضَلا لَه ، فرأى امرأةً مُنتقِبةً ، فأعجبتْهُ ، حتَّى نسيَ الحِمارَين ! فلم يزلْ يطلبُ إليها حتى سَفَرَتْ ( 3) لَه ، فإذا هي فَوْهَاءُ ! (4) ، فحينَ رأى أسنَانَها ذَكَرَ الحِمَارَين ! فقال : ( ذَكَّرنِي فُوكِ حِمَارَي أهْلِي ) وأنشَأَ يقُولُ :
ليتَ النِّقابَ على النِّسَاءِ مُحَرَّمٌ *** كّـيْـلا تـَغُـرَّ قـَبِـيْـحَـةٌ إنْـسَـانـَــا !!
*********************************************
(1) العَنان : السَّحاب .
(2) ( قولُ قَتَادَة ) .
(3) سَفَرَت المرأة : كشَفَت عن وجهِهِا ، فهي سَافِرٌ .
(4) فوهاء : الفَوَه : سعة الفم ، مع خروج الثنايا العليا وطولِها .