رَيًماْ اًلَبْراَهّـيًمَ
08-04-2010, 06:31PM
بقـلم /بدرية البشر
كل مكان تسافر إليه يشدك فيه شيء ما: مَعلم حضاري، بناء تاريخي، أساطير، تقنية متفوقة، أعمال فنية وثقافية، لكن أكثر ما تشدني في أميركا وتستطيع أن تلمسها من دون ترجمة هي أخلاق الشارع، وأول جماليات هذه الأخلاق هو الابتسامة التي تقفز إليك بمرح حالما تلتقي عيناك صدفة بوجه يسير في الشارع. أما تشميت العاطس فهو جمالية أخرى، فأنت ستسمع دائماً حولك من يصيح بك أو بغيرك حين يعطس قائلاً «بلس يو»، بل وقد تسمع هذه «البلس يو» من موظف منشغل في عمل، لكنه حالما يسمع أحداً يعطس حتى يصرخ «بلس يو» حتى تشك بأنه موظف من أجل تشميت العاطسين.
هنا تصطدم بهم فيقولون لك عفواً، يضيق بك الطريق فيسارعون لأن يكونوا هم من يتأخرون لتتقدم، لو دخلت في منطقتهم من دون أن تنتبه لسارعوا هم بالانسحاب، لو شاهدوك تحمل كاميرا وتصوّر عائلتك لعرضوا عليك أن تنضم لعائلتك ويلتقطوا لك الصورة، وتصوّر لو أنك مثلي اصطدمت بكل هذه التصرفات في يوم واحد.
الابتسامة في الشارع الأميركي هي أهم الجماليات الحضارية، فهي لا تحتاج إلى لغة، هي دليل الإنسانية هنا نحو القلوب العطشى لابتسامة، من السهل أن تقع عيناك الضالتان على ابتسامة، هذه الابتسامة مع الوقت هي التي ستعلمك آداب الشارع الشائعة، كغض البصر وألاّ تحدق في وجوه الآخرين، فالتحديق بالآخرين يعد نوعاً من التلصص على خصوصياتهم لأنها هنا في الشارع الأميركي المكشوف حرمات، وغالباً ما يرد عليك من يضبطك في مثل هذا السلوك بابتسامة واسعة، وقد يمتشق سيفاً من تحية كريمة لتعذيبك صائحاً بك: مرحباً، كيف هو نهارك اليوم؟ وكأنه يقول ها نحن لم نعد أغراباً، فلا تتفحصني نحن مثل بعضنا بشر.
مع الوقت ستتعلم كيف تقض عواميد الأسمنت من وجهك وتتعلم أن تبتسم للعابرين وأن تحييهم من دون أن تشك بأنهم يرغبون في استغلالك. ستتعلم أن تغض بصرك حتى لو قتلك الفضول.
كتبت مرة عندما زرت أميركا عام 1997 مقالاً بعنوان «مرحباً»، أستغرب فيه من الناس الذين كانوا يلقون علينا تحية الصباح كلما مرّوا بنا، بينما نحن العرب والمسلمين نتصدد عن بعضنا كلما مررنا، أما هذه المرة فعندما كتبت منذ أيام عن الناس الذين يبتسمون علّق أحد القراء متشككاً وقال ما معناه (يا المهبولة طمعانين في فلوسك). في عام 1997 كانت التحية التي جعلتني أرفع الراية البيضاء وأعترف بأخلاق الشارع الأميركي هي حين رأيت طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز العامين تسكن بقربنا ترفع يدها وتحيينا قائلة «هاي»، فماذا تريد هذه الصغيرة سوى أنها كانت تقلد سلوك من حولها. هذه المرة الابتسامة التي أعادتني لدهشة تقدير أخلاق الشارع الأميركي هي تصرّف شابة كانت تعبر الطريق فوق الخط الأبيض للمشاة لكن سيارتنا عبرت من دون انتباه، والحقّ علينا طبعاً، لكن الفتاة توقفت في نصف الشارع وابتسمت وقالت: هيا اعبروا أنتم لا بأس، لم تختفِ ابتسامتها سريعاً ولم يعقبها «برطمة» ولا اتهام بالخبل. كانت هذه هي الابتسامة القاتلة التي من أجلها رفعت الراية البيضاء هذه المرة وسلمت بأن الحضارة العظمى هي التي تتجلى آياتها في أخلاق الشارع حيث يعيش الناس الغرباء وفق قانون الأخلاق الرفيع
لروح الكاتبه:r:
كل مكان تسافر إليه يشدك فيه شيء ما: مَعلم حضاري، بناء تاريخي، أساطير، تقنية متفوقة، أعمال فنية وثقافية، لكن أكثر ما تشدني في أميركا وتستطيع أن تلمسها من دون ترجمة هي أخلاق الشارع، وأول جماليات هذه الأخلاق هو الابتسامة التي تقفز إليك بمرح حالما تلتقي عيناك صدفة بوجه يسير في الشارع. أما تشميت العاطس فهو جمالية أخرى، فأنت ستسمع دائماً حولك من يصيح بك أو بغيرك حين يعطس قائلاً «بلس يو»، بل وقد تسمع هذه «البلس يو» من موظف منشغل في عمل، لكنه حالما يسمع أحداً يعطس حتى يصرخ «بلس يو» حتى تشك بأنه موظف من أجل تشميت العاطسين.
هنا تصطدم بهم فيقولون لك عفواً، يضيق بك الطريق فيسارعون لأن يكونوا هم من يتأخرون لتتقدم، لو دخلت في منطقتهم من دون أن تنتبه لسارعوا هم بالانسحاب، لو شاهدوك تحمل كاميرا وتصوّر عائلتك لعرضوا عليك أن تنضم لعائلتك ويلتقطوا لك الصورة، وتصوّر لو أنك مثلي اصطدمت بكل هذه التصرفات في يوم واحد.
الابتسامة في الشارع الأميركي هي أهم الجماليات الحضارية، فهي لا تحتاج إلى لغة، هي دليل الإنسانية هنا نحو القلوب العطشى لابتسامة، من السهل أن تقع عيناك الضالتان على ابتسامة، هذه الابتسامة مع الوقت هي التي ستعلمك آداب الشارع الشائعة، كغض البصر وألاّ تحدق في وجوه الآخرين، فالتحديق بالآخرين يعد نوعاً من التلصص على خصوصياتهم لأنها هنا في الشارع الأميركي المكشوف حرمات، وغالباً ما يرد عليك من يضبطك في مثل هذا السلوك بابتسامة واسعة، وقد يمتشق سيفاً من تحية كريمة لتعذيبك صائحاً بك: مرحباً، كيف هو نهارك اليوم؟ وكأنه يقول ها نحن لم نعد أغراباً، فلا تتفحصني نحن مثل بعضنا بشر.
مع الوقت ستتعلم كيف تقض عواميد الأسمنت من وجهك وتتعلم أن تبتسم للعابرين وأن تحييهم من دون أن تشك بأنهم يرغبون في استغلالك. ستتعلم أن تغض بصرك حتى لو قتلك الفضول.
كتبت مرة عندما زرت أميركا عام 1997 مقالاً بعنوان «مرحباً»، أستغرب فيه من الناس الذين كانوا يلقون علينا تحية الصباح كلما مرّوا بنا، بينما نحن العرب والمسلمين نتصدد عن بعضنا كلما مررنا، أما هذه المرة فعندما كتبت منذ أيام عن الناس الذين يبتسمون علّق أحد القراء متشككاً وقال ما معناه (يا المهبولة طمعانين في فلوسك). في عام 1997 كانت التحية التي جعلتني أرفع الراية البيضاء وأعترف بأخلاق الشارع الأميركي هي حين رأيت طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز العامين تسكن بقربنا ترفع يدها وتحيينا قائلة «هاي»، فماذا تريد هذه الصغيرة سوى أنها كانت تقلد سلوك من حولها. هذه المرة الابتسامة التي أعادتني لدهشة تقدير أخلاق الشارع الأميركي هي تصرّف شابة كانت تعبر الطريق فوق الخط الأبيض للمشاة لكن سيارتنا عبرت من دون انتباه، والحقّ علينا طبعاً، لكن الفتاة توقفت في نصف الشارع وابتسمت وقالت: هيا اعبروا أنتم لا بأس، لم تختفِ ابتسامتها سريعاً ولم يعقبها «برطمة» ولا اتهام بالخبل. كانت هذه هي الابتسامة القاتلة التي من أجلها رفعت الراية البيضاء هذه المرة وسلمت بأن الحضارة العظمى هي التي تتجلى آياتها في أخلاق الشارع حيث يعيش الناس الغرباء وفق قانون الأخلاق الرفيع
لروح الكاتبه:r: