حسام فوزي سعيد
03-03-2010, 10:12PM
من المسؤول؟!!
في ظلمة الأقدار وجدتُ شبابا ً على شفير الضياع ينتحرون فراغا ً.. يرقصون رقصة الموتِ البطيء!! يسقطون من على شرفة الواقع، في أودية المجهول مضرجين بالخطيئة!! مكبّلين بقيود السرابِ، مسلوبي الإرادة إلا ّ من كلّ التصميم للحصول على تلك اللذة الوهميّة الراقدة خلف دخان الممنوع!!
بعد سفرٍ أتيتُ أزور صديق الطفولة، صوتُ أمِّه يستقبلني مطعّما ً بالحسرة:
- إنـّه في غرفة الجلوس، تفضل بالدخول.
في نظرته لمحتُ طموحا ًهاربا ً، وكسرة أملٍ تلوح على شفتيه تبرقُ واهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة!! و بعضاً من جروح في ذراعه الحبلى بمرّ السنين، الممسكة بيدٍ ممزقة الأغصانِ!!
يدٌ تنتظرُ بلهفة أيادٍ بيضاء تحضنها..
علـّها تضربُ أخيرا ً جدار اليأس القابع في سجن المخدّرات، فيعبرُ إلى برّ الآمان.
دمعةٌ غاضبة تتلألأ حزنا ً تبكي الأيّام الراحلة، و المستقبلَ المنفيّ السعادة!!
في مقلتيه الهاربتين ذكريات طفلٍ حزين، معصوبَ الرؤية و مشاهد أبيه الخمولِ يضربُ أمّه، معلنا ً الكفّ عن مطالبته بالعمل و تأمين لقمة العيش..
و ظلال اللحظاتِ المتشنجة الأفعال، الموشحة بغضبِ أمّه تنزلُ أشدّ العقابَ بأولادها رد فعلٍ يائس!! صورا ً انحفرت في مخيّلته تمثالا ً من استياء.
كلامٌ يتعثرُ على شفتيه، يكبو على أرض الواقع اعترافات تصرخُ ألما ً:
- صغيراً كنتُ، الأملُ.. كل الأمل يرفرف في سماء حياتي، عاشقا ً للنجاح تمرّستُ على مقاعد الدراسة، متعطشا ً للعلم، متلهفا ً للوصول إلى أعلى المراكز، و لكن انظر إلى حالي..
هل تعلم، لم أكن يوما ً لأتصوّر بأنني سأصبحُ من عديد التائهين، أتسكع في قصور الجاه المشين! أن أكون من أرباب الكيف الرخيص.. ما أردت يوما ً!!
في غمرة الطيش، على حافة البلوغ، هناك على أبوابِ سنّ المراهقة وجدتني ألعبُ لعبة الهروبِ.. كم من مرّةٍ رجوت أهلي أن يتفهمّوا قراراتي، عبثا ً حاولتُ..
الصراخ و الوعيد كانا حليفيّن لخيبتي!!
كم من مرّةٍ، تنسمتُ عطفا ً في لحظاتِ حزن ووحدة، ما رأيتُ أحدا ً بقربي!!
على زهرة آمالي تراكمت أحجار الفشلِ، فحطمت قلبي، و ما بقي من عنفواني..
في فنجان أحلامي الضائعة شربتُ مرّ الأيّام، و أنا هناك.. معطفا ً من خجلٍ أرتدي، و أمطارٌ من انكسار تبلـّلُ روحي المتعبة!! في لحظة مجون، رشفتُ بضع قطراتٍ من أكسير السعادة المزيّفة.. كانت كفيلة لتغريني بالمزيدِ، و تحيطني برفاق السوء!!
دهاليزا ً مغمّسة بالإثم سلكتُ.. إلى حدّ السرقة!! و..
" يصمتُ و قد أطلّ فتى في العاشرة من العمر، على فمه ابتسامةٌ، و في عينيه رجاء، يحملُ كرةً بين يديه، مفتشا ًعن أمِّه، سائلا ً إيّاها أن تسمح له باللعبِ بعد أن أنهى فروضه المدرسيّة، و يخرجُ مغادرا ً وأفواج من ضحكاتٍ متلاحقة تتسابقُ على ثغره دليل فرحه"..
يعود ليقول: كم من مرّةٍ تمنيتُ الموتَ سبيلا ً لنجاتي، أجراسَ الانتحار قرعتُ في خيالي..
دنوتُ أحيانا ً من حيّز التنفيذِ، الحمد لله لم افعل. أرأيتَ تلك الابتسامة، أرأيتَ كم يشبهني..
أخشى أن يحذو حذوي، أنا الذي كنتُ قدوةً صالحة..لا أطيق نظرةً من احتقار يرمقني بها.. أريدها نظرات تقدير و احترام. لا، سأنقذُ ما بقي لي من حياتي، سأبدأ من جديد، سأعالجُ نفسي.. سأقصدُ المستشفى.. من ثمّ أتابعُ دراستي الجامعيّة، عسى أن أعوّض ما فاتني.
أتركه مثقلةً أفكاري بالتساؤلات..
من المسؤول؟!!
أهو هذا الشاب الضعيف الإيمان، اليافع النضج، اليتيم التوجيه، المظلم الإرشاد، العديم المسؤوليّة.. الفقير الوعي؟!!..
أم أنـّهم أولياء الأمر ألمتصدعو الآراء، المهمّشو الكلمة، المغلوبو القرار، المنهكو السلطة، الضبابيو التواصل؟!!..
أم أنـّها معظم المدارس و الجامعاتِ العارمة الفوضى، المزعزعة الانضباط؟!!..
أم أنـّه ذاك المجتمع القليل الندواتِ التربويّة، الشحيح النشاطاتِ الثقافيّة؟!!..
أم أنـّها الدولة المحدودة القدرة، الفاقدة الحلول، المربكة التصرّفِ، المعدومة الرقابة، الهزيلة الحضور، الغائبة عن تأمين فرص العمل، الطبابة و الحياة الكريمة؟!!..
من المسؤول؟!! الواقعُ أننا كلنا مسؤولون.
حسام فوزي سعيد - لبنان
في ظلمة الأقدار وجدتُ شبابا ً على شفير الضياع ينتحرون فراغا ً.. يرقصون رقصة الموتِ البطيء!! يسقطون من على شرفة الواقع، في أودية المجهول مضرجين بالخطيئة!! مكبّلين بقيود السرابِ، مسلوبي الإرادة إلا ّ من كلّ التصميم للحصول على تلك اللذة الوهميّة الراقدة خلف دخان الممنوع!!
بعد سفرٍ أتيتُ أزور صديق الطفولة، صوتُ أمِّه يستقبلني مطعّما ً بالحسرة:
- إنـّه في غرفة الجلوس، تفضل بالدخول.
في نظرته لمحتُ طموحا ًهاربا ً، وكسرة أملٍ تلوح على شفتيه تبرقُ واهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة!! و بعضاً من جروح في ذراعه الحبلى بمرّ السنين، الممسكة بيدٍ ممزقة الأغصانِ!!
يدٌ تنتظرُ بلهفة أيادٍ بيضاء تحضنها..
علـّها تضربُ أخيرا ً جدار اليأس القابع في سجن المخدّرات، فيعبرُ إلى برّ الآمان.
دمعةٌ غاضبة تتلألأ حزنا ً تبكي الأيّام الراحلة، و المستقبلَ المنفيّ السعادة!!
في مقلتيه الهاربتين ذكريات طفلٍ حزين، معصوبَ الرؤية و مشاهد أبيه الخمولِ يضربُ أمّه، معلنا ً الكفّ عن مطالبته بالعمل و تأمين لقمة العيش..
و ظلال اللحظاتِ المتشنجة الأفعال، الموشحة بغضبِ أمّه تنزلُ أشدّ العقابَ بأولادها رد فعلٍ يائس!! صورا ً انحفرت في مخيّلته تمثالا ً من استياء.
كلامٌ يتعثرُ على شفتيه، يكبو على أرض الواقع اعترافات تصرخُ ألما ً:
- صغيراً كنتُ، الأملُ.. كل الأمل يرفرف في سماء حياتي، عاشقا ً للنجاح تمرّستُ على مقاعد الدراسة، متعطشا ً للعلم، متلهفا ً للوصول إلى أعلى المراكز، و لكن انظر إلى حالي..
هل تعلم، لم أكن يوما ً لأتصوّر بأنني سأصبحُ من عديد التائهين، أتسكع في قصور الجاه المشين! أن أكون من أرباب الكيف الرخيص.. ما أردت يوما ً!!
في غمرة الطيش، على حافة البلوغ، هناك على أبوابِ سنّ المراهقة وجدتني ألعبُ لعبة الهروبِ.. كم من مرّةٍ رجوت أهلي أن يتفهمّوا قراراتي، عبثا ً حاولتُ..
الصراخ و الوعيد كانا حليفيّن لخيبتي!!
كم من مرّةٍ، تنسمتُ عطفا ً في لحظاتِ حزن ووحدة، ما رأيتُ أحدا ً بقربي!!
على زهرة آمالي تراكمت أحجار الفشلِ، فحطمت قلبي، و ما بقي من عنفواني..
في فنجان أحلامي الضائعة شربتُ مرّ الأيّام، و أنا هناك.. معطفا ً من خجلٍ أرتدي، و أمطارٌ من انكسار تبلـّلُ روحي المتعبة!! في لحظة مجون، رشفتُ بضع قطراتٍ من أكسير السعادة المزيّفة.. كانت كفيلة لتغريني بالمزيدِ، و تحيطني برفاق السوء!!
دهاليزا ً مغمّسة بالإثم سلكتُ.. إلى حدّ السرقة!! و..
" يصمتُ و قد أطلّ فتى في العاشرة من العمر، على فمه ابتسامةٌ، و في عينيه رجاء، يحملُ كرةً بين يديه، مفتشا ًعن أمِّه، سائلا ً إيّاها أن تسمح له باللعبِ بعد أن أنهى فروضه المدرسيّة، و يخرجُ مغادرا ً وأفواج من ضحكاتٍ متلاحقة تتسابقُ على ثغره دليل فرحه"..
يعود ليقول: كم من مرّةٍ تمنيتُ الموتَ سبيلا ً لنجاتي، أجراسَ الانتحار قرعتُ في خيالي..
دنوتُ أحيانا ً من حيّز التنفيذِ، الحمد لله لم افعل. أرأيتَ تلك الابتسامة، أرأيتَ كم يشبهني..
أخشى أن يحذو حذوي، أنا الذي كنتُ قدوةً صالحة..لا أطيق نظرةً من احتقار يرمقني بها.. أريدها نظرات تقدير و احترام. لا، سأنقذُ ما بقي لي من حياتي، سأبدأ من جديد، سأعالجُ نفسي.. سأقصدُ المستشفى.. من ثمّ أتابعُ دراستي الجامعيّة، عسى أن أعوّض ما فاتني.
أتركه مثقلةً أفكاري بالتساؤلات..
من المسؤول؟!!
أهو هذا الشاب الضعيف الإيمان، اليافع النضج، اليتيم التوجيه، المظلم الإرشاد، العديم المسؤوليّة.. الفقير الوعي؟!!..
أم أنـّهم أولياء الأمر ألمتصدعو الآراء، المهمّشو الكلمة، المغلوبو القرار، المنهكو السلطة، الضبابيو التواصل؟!!..
أم أنـّها معظم المدارس و الجامعاتِ العارمة الفوضى، المزعزعة الانضباط؟!!..
أم أنـّه ذاك المجتمع القليل الندواتِ التربويّة، الشحيح النشاطاتِ الثقافيّة؟!!..
أم أنـّها الدولة المحدودة القدرة، الفاقدة الحلول، المربكة التصرّفِ، المعدومة الرقابة، الهزيلة الحضور، الغائبة عن تأمين فرص العمل، الطبابة و الحياة الكريمة؟!!..
من المسؤول؟!! الواقعُ أننا كلنا مسؤولون.
حسام فوزي سعيد - لبنان