سبيع السبيعي
07-21-2009, 04:13PM
هذا رجل تشهد له مدرجات الجامعات حيث صال وجال في تربية الأجيال على العلم. وتشهد ساحات المعامل الدراسية لجهوده المضنية في ترقية العقول وصناعة العلماء من أجيال الغد ... ويشهد له الآلاف من طلاب كليات العلوم في مصر والكويت واليمن والولايات المتحدة الذين عايشهم ورعاهم رعاية علمية وأبوية بصورة منقطعة النظير . وقد كان يقوم بذلك كله - في صمت ودون ضجيج - باعتباره عملا من صميم الدعوة إلى الله وإسهاما في رسالة النهوض بالأمة من عثرتها .
ولم يكن الدكتور بدر الدين غازي أستاذ الكيمياء الفيزيائية في مصر والكويت وجامعة بنسلفانيا الأميركية لم يكن - يرحمه الله - مجرد أستاذ يؤدي وظيفته أو محاضر يلقي محاضرته ثم يعود إلى حياته الخاصة وإنما كانت أبحاث طلابه في الدراسات العليا تملأ عليه جل وقته وكانت أبحاثه في معامل كليات العلوم تعيش فيه حتى اختطفت منه أثمن أوقاته وأولها أيام العطل والأجازات .
كان يركز اهتمامه التام على أمرين : حقيبته المكتظة بأبحاث أبنائه وجهاز حاسوبه الذي يقضي أمامه أوقاته دون اكتراث بملبس ولا مأكل ولامسكن فقد كان ذلك العملاق الحاصل على اعلى الشهادات العلمية في الكيمياء والفائز بأعلى شهادات التقدير والعضو البارز في العديد من الجمعيات العلمية كان بسيطا بدرجة لافتة ومتواضعا بدرجة تخجل من يتعامل معه ، وحتى اللحظات الأخيرة من حياته وهو على سرير المرض لم يتوقف عن متابعة أبحاث أولاده الطلاب – كما كان يحب أن يسميهم - والعمل على سرعة انجاز رسائلهم العلمية ويشهد على ذلك زملاؤه الذين عايشوه بالمستشفى إذ يؤكد أحدهم أنه كان يلح عليه في الجلوس إلى جواره ويظل يملي عليه بعض الملاحظات على أبحاث طلابه حتى يدخل في غيبوبة ممسكا بيده وإذا هم بالانصراف ضغط بيده على يده مشددا عليه ألا ينصرف حتى ينهي ما لديه ...
هكذا رحل عنا منذ أيام هذا العالم المتواضع بعد أن أنجز الإشراف على 35 رسالة ماجستير ودكتوراه في مصر والولايات المتحدة وبعد مسيرة علمية مشرقة في جامعات مصر والكويت وأميركا وبعد جهود كبيرة في أربع جمعيات علمية مصرية وأميركية ( الجمعية المصرية للتآكل – جمعية الكيمياء الكهربية الأميركية – الجمعية الكيميائية الأميركية – المؤسسة الأميركية للمهندسين الكيميائيين) .
كان رجلا ودودا خلوقا سريعا ما يألفه من يلقاه حتى الأطفال مع آبائهم سرعان ما كانوا يندمجون معه ، وقد أزالت تلك الصفات الطيبة حواجز كثيرة بينه وبين الناس .
تعرفت على ذلك الرجل بين عدد من الأكاديميين وكانت حاستي الصحفية تدفعني للدخول معه في حوارات ومناقشات أحيانا ما تكون شائكة لكن بساطة الرجل كانت تحولها إلى مناقشات مفيدة ، وكلما تعمقت معه في النقاش كنت تجد مزيدا من الآذان الصاغية وعندما تختلف معه تجد نفسك أمام ساحة فسيحة من سعة الصدر وكانت تعلو وجهه الطيب ابتسامة هادئة وهو يقر لك ببعض ما عندك ولم ينته نقاش معه إلا والقلوب أكثر تقاربا ، فقد كان يزرع فيمن يحاوره مزيدا من الحب والاحترام .
وكما كان ذا خلق رفيع مع الخلق كان ذا خلق أرفع وأسمى مع الخالق فقد استقبل ابتلاء المرض المفاجئ برضا وتسليم بقضاء الله ولم أره – كغيري من مئات الزائرين - خلال زياراتي له إلا مبتسما لقضاء الله .
لقد كان الدكتور بدر الدين غازي مدرسة من طراز خاص في الحياة وهي مدرسة نافعة وسيتواصل نفعها عبر هؤلاء الأساتذة المنتشرين في جامعات العالم من طلابه وقبل ذلك كانت ثمارها الطيبة في بيته العامر بأبناء وبنات بررة يقتفون اثر والدهم في حب العلم ونيل اعلى الدرجات العلمية ومن وراء ذلك بعد توفيق الله زوجة مجاهدة صابرة محتسبة ، صمدت معه خلال مرضه بكل ما أوتيت من جلد وقوة فنسأل الله سبحانه وتعالي أن يجزيها خير الجزاء وان يرزقها المزيد من الصبر والثبات .
وبعد فقد عاش هذا العالم كغيره من العلماء بين طلابه ومعامله في صمت ورحل في صمت دون أن تعلم وسائل الإعلام عنه شيئا لسبب معروف وهو أننا في عصر الاضمحلال الذي اختلت فيه الموازين .. وكفى !
أسأل الله سبحانه أن يرزقه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
بقلم : شعبان عبدالرحمن
التعليق : للأسف ما نلقى لهم تكريم ونشوف التكريم يذهب للوسط الفني والرياضي والعلماء متجاهلون الله يرحمه :(
ولم يكن الدكتور بدر الدين غازي أستاذ الكيمياء الفيزيائية في مصر والكويت وجامعة بنسلفانيا الأميركية لم يكن - يرحمه الله - مجرد أستاذ يؤدي وظيفته أو محاضر يلقي محاضرته ثم يعود إلى حياته الخاصة وإنما كانت أبحاث طلابه في الدراسات العليا تملأ عليه جل وقته وكانت أبحاثه في معامل كليات العلوم تعيش فيه حتى اختطفت منه أثمن أوقاته وأولها أيام العطل والأجازات .
كان يركز اهتمامه التام على أمرين : حقيبته المكتظة بأبحاث أبنائه وجهاز حاسوبه الذي يقضي أمامه أوقاته دون اكتراث بملبس ولا مأكل ولامسكن فقد كان ذلك العملاق الحاصل على اعلى الشهادات العلمية في الكيمياء والفائز بأعلى شهادات التقدير والعضو البارز في العديد من الجمعيات العلمية كان بسيطا بدرجة لافتة ومتواضعا بدرجة تخجل من يتعامل معه ، وحتى اللحظات الأخيرة من حياته وهو على سرير المرض لم يتوقف عن متابعة أبحاث أولاده الطلاب – كما كان يحب أن يسميهم - والعمل على سرعة انجاز رسائلهم العلمية ويشهد على ذلك زملاؤه الذين عايشوه بالمستشفى إذ يؤكد أحدهم أنه كان يلح عليه في الجلوس إلى جواره ويظل يملي عليه بعض الملاحظات على أبحاث طلابه حتى يدخل في غيبوبة ممسكا بيده وإذا هم بالانصراف ضغط بيده على يده مشددا عليه ألا ينصرف حتى ينهي ما لديه ...
هكذا رحل عنا منذ أيام هذا العالم المتواضع بعد أن أنجز الإشراف على 35 رسالة ماجستير ودكتوراه في مصر والولايات المتحدة وبعد مسيرة علمية مشرقة في جامعات مصر والكويت وأميركا وبعد جهود كبيرة في أربع جمعيات علمية مصرية وأميركية ( الجمعية المصرية للتآكل – جمعية الكيمياء الكهربية الأميركية – الجمعية الكيميائية الأميركية – المؤسسة الأميركية للمهندسين الكيميائيين) .
كان رجلا ودودا خلوقا سريعا ما يألفه من يلقاه حتى الأطفال مع آبائهم سرعان ما كانوا يندمجون معه ، وقد أزالت تلك الصفات الطيبة حواجز كثيرة بينه وبين الناس .
تعرفت على ذلك الرجل بين عدد من الأكاديميين وكانت حاستي الصحفية تدفعني للدخول معه في حوارات ومناقشات أحيانا ما تكون شائكة لكن بساطة الرجل كانت تحولها إلى مناقشات مفيدة ، وكلما تعمقت معه في النقاش كنت تجد مزيدا من الآذان الصاغية وعندما تختلف معه تجد نفسك أمام ساحة فسيحة من سعة الصدر وكانت تعلو وجهه الطيب ابتسامة هادئة وهو يقر لك ببعض ما عندك ولم ينته نقاش معه إلا والقلوب أكثر تقاربا ، فقد كان يزرع فيمن يحاوره مزيدا من الحب والاحترام .
وكما كان ذا خلق رفيع مع الخلق كان ذا خلق أرفع وأسمى مع الخالق فقد استقبل ابتلاء المرض المفاجئ برضا وتسليم بقضاء الله ولم أره – كغيري من مئات الزائرين - خلال زياراتي له إلا مبتسما لقضاء الله .
لقد كان الدكتور بدر الدين غازي مدرسة من طراز خاص في الحياة وهي مدرسة نافعة وسيتواصل نفعها عبر هؤلاء الأساتذة المنتشرين في جامعات العالم من طلابه وقبل ذلك كانت ثمارها الطيبة في بيته العامر بأبناء وبنات بررة يقتفون اثر والدهم في حب العلم ونيل اعلى الدرجات العلمية ومن وراء ذلك بعد توفيق الله زوجة مجاهدة صابرة محتسبة ، صمدت معه خلال مرضه بكل ما أوتيت من جلد وقوة فنسأل الله سبحانه وتعالي أن يجزيها خير الجزاء وان يرزقها المزيد من الصبر والثبات .
وبعد فقد عاش هذا العالم كغيره من العلماء بين طلابه ومعامله في صمت ورحل في صمت دون أن تعلم وسائل الإعلام عنه شيئا لسبب معروف وهو أننا في عصر الاضمحلال الذي اختلت فيه الموازين .. وكفى !
أسأل الله سبحانه أن يرزقه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
بقلم : شعبان عبدالرحمن
التعليق : للأسف ما نلقى لهم تكريم ونشوف التكريم يذهب للوسط الفني والرياضي والعلماء متجاهلون الله يرحمه :(